للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلا غائب عن ذاته فضلا عن قوى بدنه فليس بممكن أن يوضَعَ لها ألفاظ فضلا عن أن يُعبر عنها بالألفاظ، فكما أنّ المعقولات لا تُدرَكُ بالأوهام، والموهومات لا تُدرَكُ بالخياليّات والتخيلات لا تُدرَكُ بالحواس، كذلك ما من شأنه أن يُعايَنَ بعَيْن اليقين لا يمكن أن يُدرَكَ بعلم اليقين، فالواجب على من يريد ذلك أن يجتهد في الوصول إليه بالعِيان دون أن يطلبه بالبيان فإنه طَوْرٌ وراءَ طَوْر العقل:

علم التصوف علم ليس يَعرِفُهُ … إلا أخو فطنة بالحقِّ معروف

وليس يعرفه من ليس يشهده … وكيف يشْهَدُ ضوءَ الشَّمسِ مَكْفُوفُ

هذا ما ذكره ابن صدر الدين. وأما أبو الخير فإنه جعل الطرف الثاني من كتابه في العلوم المتعلقة بالتّصفية التي هي ثمرة العمل بالعلم، قال (١): ولهذا العلم أيضًا ثمرةٌ تُسمَّى علوم المُكاشفة، لا يكشف عنها العبارة غير الإشارة، كما قال النَّبيُّ : "إنّ من العلم كهيئة المكنون لا يعرفها إلّا العلماء بالله، فإذا نَطَقوا يُنكِرُه أهلُ الغِرَّة" (٢) فرتّب هذا الطَّرف في مقدَّمة ودَوْحةٍ لها شُعَب وثمرة، وقال: الدوحة في علوم الباطن، ولها أربع شعب: العبادات، والعادات، والمُهلِكاتُ، والمُنْجِيات، فلخّص فيه كتاب "إحياء العلوم" للغزالي، ولم يَذكُر الثمرةَ، فكأنّه لم يَذكُر التصوف المعروف بينَ أهله.

قال الإمامُ القُشَيري (٣): اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله لم يتّسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علمٍ سوى صحبة الرسول ، إذ لا


(١) مفتاح السعادة ٣/ ٥.
(٢) حديث ضعيف، ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في "الأربعين في التصوف"، ص ١٣، وأبو عثمان النيسابوري في الثاني من فوائده (٦٦)، والديلمي في الفردوس (٨٠٢)، والمنذري في الترغيب والترهيب (١٤٠) من حديث أبي هريرة.
(٣) الرسالة القشيرية ١/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>