للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسلام كتابُ ابن جُرَيْجٍ، وقيل: "موطَّأُ" مالك، وقيل: إن أول من صنف وبَوَّب: الرَّبيع بن صَبِيح بالبَصْرة، ثم انتشر جَمْعُ الحديث وتدوينه وتسطيره في الأجزاء والكتب، وكثر ذلك وعَظُم نَفْعُه إلى زمن الإمامين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحُسَين مُسلم بن الحَجاجِ النَّيْسابوري، فدوّنا كتابيهما وأثبتا فيهما من الأحاديث ما قطعا بصحتِه وثَبَت عندَهما نَقْلُه وسَمَّيا الصَّحيحَ من الحديث. ولقد صَدَقا فيما قالا، والله مجازيهما عليه، ولذلك رَزَقَهما الله من (١) حُسن القبول شرقًا وغربًا. ثم ازداد انتشار هذا النوع من التّصنيف وكثر في الأيدي وتفرّقت أغراضُ النّاس وتنوعت مقاصدهم إلى أنِ انقَرَض ذلك العصر الذي قد جَمَعوا وألفوا فيه مثل: أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ومثل أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شُعَيب النسائي وغيرهم، فكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهي. ثم نَقَص ذلك الطَّلَبُ وقلّ الحِرص وفَتُرت الهِمَم، فكذلك كلّ نوع من أنواع العلوم والصَّنائع والدُّول وغيرها، فإنه يبتدئ قليلا قليلا ولا يزالُ يَنْمَى (٢) ويزيدُ إلى أن يصل إلى غايةٍ هي منتهاه ثم يعود، وكأن غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ومَن كان في عصرهما ثم نَزَل وتَقاصَرَ إلى ما شاء الله.

ثم إنّ هذا العلم على شَرَفِه وعلو منزلته كان علمًا عزيزًا مُشكِلَ اللفظ والمعنى، ولذلك كان النّاسُ في تصانيفهم مختلفي الأغراض، فمنهم الحكم مَن قَصَر همَّته على تدوين الحديث مطلقًا ليَحفَظَ لفظه ويستنبط كما فَعَله عُبيد الله بن موسى العبسي وأبو داود الطيالسي وغيرهما أولا، وثانيا:


(١) سقط حرف الجر من م.
(٢) في م: "ينمو"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>