في الأشياء النَّظريّة أو في الأشياء العمليَّة، فهي مفسَّرةٌ عنده: باكتساب هذه الإدراكات وأمّا اكتسابُ المَلَكة التامة على الأفعال الفاضلة فما جَعلها جزءًا منها، بل جعلها غايةً للحكمة العمليَّة. وأما حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفيّة بمنزلة التصوُّف من العلوم الإسلامية كما أن الحكمة الطبيعية والإلهية منها بمنزلة الكلام منها؛ وبيان ذلك أنّ السَّعادةَ العُظمى والمَرْتبةَ العُلْيا للنَّفس الناطقة هي معرفةُ الصَّانع بما له من صفات الكمال والتنزه عن النقصان وبما صدر عنه من الآثارِ والأفعال في النَّشأةِ الأولى والآخِرة، وبالجملة: معرفة المبدأ والمعاد. والطَّريقُ إلى هذه المعرفة من وجهين أحدهما طريقةً أهل النَّظر والاستدلال، وثانيهما: طريقةً أهل الرَّياضة والمُجاهدات.
والسَّالكونَ للطَّريقة الأولى إن التزموا مِلَّةً مِن مِلَل الأنبياء فهم: المتكلمون، وإلا فهم الحُكَماءُ المَشَّاؤون (١). والسَّالكونَ إلى الطَّريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكامَ الشَّرع فهم: الصُّوفيّة، وإلّا فهم الحُكَماءُ الإشراقيون فلكل طريقة طائفتان. وحاصلُ الطَّريقة الأولى: الاستكمال بالقوَّة النَّظَريّة والتَّرقِّي في مراتبها الأربعة، أعني: مَرتبةَ العَقْل الهيولاني والعقل بالفعل والعَقْل بالمَلَكة والعَقْل المُستفاد، والأخيرة هي الغايةُ القُصْوى لكونها عبارةً عن مشاهدةِ النَّظريَّاتِ التي أدركَتْهَا النَّفْسُ بحيثُ لا يَغيب عنها شيء، ولهذا قيل: لا يوجد المستفاد لأحدٍ في هذه الدار، بل في دار القرار، اللهم إلا لبعض المتجرَّدين عن علائقِ البَدَن والمُنخرطين في سلك المجردات.
(١) كتب المؤلف في حاشية النسخة التعليق الآتي: "وهم أصحاب أرسطو سموا بذلك؛ لأن أرسطو كان في صحبة الإسكندر دائم (في الأصل: دائمة) السفر، وتلامذته كانوا يمشون في ركابه مستفيدين".