للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتشييد معاقده، وكلُّ كتاب بعده في التفسير ولو فُرِض أنه لا يخلو عن النقير والقِطْمير إذا قيسَ له (١) لا تكونُ له تلك الطَّلاوة ولا تجد فيه شيئًا من تلك الحلاوة، على أن مؤلَّفَه يقتفي أثره ويسأل خبره، وقلما غيّر تركيبًا من تراكيبه إلا وقع في الخطأ والخَطَل وسَقَط في مَزالق الخَبْط والزَّلَل، ومعَ ذلك كله إذا فتَّشتَ عن حقيقة الخَبَر فلا عَيْنَ منه ولا أثر، ولذلك تداولته (٢) أيدي النظار فاشتهر في الأقطار كالشَّمس في وسط النَّهار، إلا أنه لإخطائه سلوك طريق الأدب وإغفاله للإجمال في الطّلب أدركَتْه حِرفةُ الأدب، ولفَرْط تصلبه في باطل الاعتزال وإخلاله بإجلالِ أرباب الكمال، أصابَتْه عَيْنُ الكمال، فالتَزَم في كتابه أمورًا أدهَشَت رَوْنقَه وماءه وأبطلت منظره ورواه، فتكدَّرت مَشارعُه الصافية، وتضيّقت موارده الصافية، وتنزّلت رُتبته العالية؛ منها: أنّه كلّما شَرَع في تفسير آيةٍ من الآي القُرآنية مضمونها لا يساعد هواء ومدلولها لا يُطاوعُ مُشتَهاه صَرَفَها عن ظاهرها بتكلفات باردة وتعشفات جامدة، وصَرْفُ الآيةِ بلا نكتةٍ عن غير ضرورة عن الظاهر: تحريف لكلام الله وليته يكتفى بقدر الضَّرورة، بل يبالغ في الإطناب والتكثير لئلا يوهِمَ بالعجز والتقصير، فتراه مشحونًا بالاعتزالاتِ الظاهرة التي تتبادر إلى الأفهام، والخَفيّةِ التي لا يتسارع إليها الأوهام، بل لا يهتدي إلى حبائله إلا وارد بعد وارد من الأذكياء الحُذاق، ولا يتنبه لمكائده إلا واحدٌ من فُضَلاءِ الآفاق. وهذه آفةٌ عظيمة ومصيبةٌ جَسيمة. ومنها: أنه يَطعَنُ في أولياء الله المرتَضَيْنَ من عبادِه ويَعْفُل عن هذا الصُّنع لفَرْط عِنادِه، ونِعْمَ ما قال الرّازي في تفسيره في قوله تعالى: ﴿هُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]، خاض صاحب "الكشاف" في


(١) في م: "به"، والمثبت من خط المؤلف.
(٢) في م: "قد تداولته"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>