والتصرُّفات المقبولة فجَلَّى رَيْنَ الشك عن الشريرة، وزاد في العلم بسطةً وبصيرة، كما قال مولانا المُنْشِي:
أولو الألباب لم يأتوا … بكشفِ قناع ما يُتْلى
ولكن كان للقاضي … يدٌ بيضاء لا تُبْلَى
ولكونه متبحِّرًا جال في ميدان فرسان الكلام فأظهر مهارته في العلوم حسبما يليقُ بالمقام، كشف القناع تارةً عن وجوه محاسن الإشارة ومُلَح الاستعارة، وهتك الأستار أخرى عن أسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها وتَرجُمانِ الناطقة وبنائها، فحلَّ ما أشكل على الأنام وذَلَّل لهم صعب المرام، وأورد في المباحث الدَّقيقة ما يؤمن به عن الشُّبَه المُضِلَّة، وأوضحَ له مناهج الأدلّة، والذي ذكره من وجوه التفسير ثانيًا أو ثالثًا أو رابعًا بلفظ "قيل" فهو ضعيفٌ ضعف المرجوح أو ضعف المردود. وأما الوجه الذي تفرد فيه وظن بعضُهم أنه مما لا ينبغي أن يكون من الوجوه التفسيرية السنية، كقوله: وحَمُل الملائكة العرش وحفيفُهم حوله مجازٌ عن حفظهم وتدبيرهم له، ونحوه، فهو ظنُّ مَن لعله يقصر فهمه عن تصوُّر مبانيه ولا يبلغ علمه إلى الإحاطة بما فيه، فمن اعتَرضَ بمثلِه على كلامه كأنه ينصِبُ الحِبالة للعَنْقاء ويرومُ أن يقنُصَ نَسْرَ السَّماء؛ لأنه مالك زمام العلوم الدينية والفنون اليقينية على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد اعترفوا له قاطبةً بالفضل المطلَق وسَلَّموا إليه قَصَبَ السَّبق، فكان تفسيره يحتوي فنونًا من العلم وَعِرةَ المسالك وأنواعًا من القواعد مختلفة الطرائق، وقلّ من بَرَز في فنٍّ إلا وصدَّه عن سواه وشَغَله، والمرء عدو ما جَهله فلا يَصِلُ إلى مَرامِه إلا من نَظَر إليه بعين فكره وأعمى عينَ هواه واستعبد نفسَه في طاعةِ مَولاهُ حتى يَسْلَمَ من الغَلَطِ والزَّلَل، ويَقتَدِر على ردِّ السَّفْسَطة والجَدَل. وأمّا أكثرُ الأحاديثِ التي أورَدَها في أواخِرِ