للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٩٣٥] كتب إليَّ أبو نَصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الجَرْجَاني الإسْمَاعيلي (١) يذكر: «أنَّهُ لَقِيَ هِلَالَ بنَ نصْرِ بنِ شَافِع مَوْلَى أحْمَدَ بنِ حَنْبل فِي جَامِعِ الرُّصَافَةِ ببَغْدَادَ شَيْخاً أَسْوَدَ كَبيرَ السِّنِّ، قالَ: فَسَأَلْتُهُ عَن اسْمِهِ وَاسْمِ أبيهِ، فقال: اسْمِي هِلَالُ بنُ نصْرِ بنِ شَافِع مَولَى أحمد بن حنبل وَخَادِمُهُ، أَخْدَمُهُ طُولَ دَهْرِهِ، ثمَّ سألتُه عَن سِنِّه، فذَكَرَ أنَّ سِنَّه مِئةً وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، ثمَّ ذكَرَ بَعْضَ مَا كَانَ مِنْ مِحْنَةِ أحْمَدَ بنِ حَنبل ، وَمَا دُفِعَ إِلَيْهِ، وَمَا نُوظِرَ عَلَيْهِ، فقَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ خَالِدٌ الحَدَّاد وهو فِي حَبْسِهِ، فقَالَ لَه: يَا أبا عبد الله! ضُربْتُ ثلاثةَ آلافِ سَوْطٍ فِي العيارة فَلَم أُقِرَّ، وأنتَ رَجُلٌ مِنْ أَئِمَّة المُسْلِمِينَ، وقَدْ حُبسْتَ مِنْ أَجْلِ الدِّينِ، فإِنْ طَاوَعْتَ القَوْمَ وَأَقْرَرْتَ لَهُمْ وَقُلْتَ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ، افْتُتِنَ النَّاسُ وَمَاجُوا، فقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بكَ، فقالَ أحمد بنُ حنبل: مَا خَرَجْتُ مِنَ الحَرْبيَّةِ حَتَّى تَحَفَّظْتُ لِلْمَوْتِ، وَلَوْ قُطِّعْتُ إرَباً إرَباً مَا قُلْتُ القرآنُ مَخْلُوقٌ، قال: ثمَّ قُدِّم ليُضْرَب، فضُرِبَ سَبْعَةَ عَشَرَ سَوْطاً، ثمَّ أُرْسِل فتَعَرَّضَ لَهُ خَالِدٌ وَسَكَّنَ مِنْهُ وَطَيَّبَ بقَلْبهِ. ثمَّ قال هِلَالٌ: رَأَيْتُ بَاباً مِنْ حَدِيدٍ قَدْ أُحْمِيَ ثلَاثةَ أيَّامٍ الجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ، وجِيءَ بخالِدٍ الحَدَّاد وَعَافِيَة البَاقِلاني لِيَمْشِيَانِ عَلَيْهِ، فَمَشَيَا، فَلَمَّا صَارَ عَلَى البَابِ انْحَلَّ مِئْزَرُ عَافِيَةَ الباقلاني، فَقَبَضَ عَلَى يَدِ خَالِدٍ، وَقالَ: انظُرْ حتَّى تُؤْزَرَ وتُرِيكَ الجلدوتا. فسَأَلْتُه أنا عَن تفْسِيرِ مَا قَالَهُ عَافِيَةُ، فقال هِلالٌ: هَذِهِ لُغَةٌ لَهُمْ يَعْرِفُونهَا، أَرَادَ بهَا: تَجلُّدَهم وَاقْتِدَارَهُمْ وَشَهَامَتَهم. وَسَقَطَا وَمَاتَا وَقُبرَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، قلتُ لَهُ: مَن خَالِدٌ وعَافِيَةُ هَذيْنِ؟ قالَ: هُمَا مِنَ الفِتْيَانِ، قال هلالٌ: ورأيتُ مَوْلَايَ أَحْمَد بنَ حَنبل وكان يَخْضِبُ بالحُمْرَةِ، وَكان يَعْتَمُّ بعِمَامَةٍ طَائِفِيَّةِ عدُولِي. ثمَّ سأَلْتُهُ عَن عُمْرِ أَبيه، فقالَ: مَات وَسِنُّه مِئة


(١) وَلَدُ الحافظ أبي بكر الإسماعيلي، توفي سنة (٤٠٥ هـ).
قال السمعاني: «ترأس في حياة والده … وكان له جاه عظيم وقبول عند الخاص والعام … وكان يعرف الحديث ويدري»، وقال الصاحب بن عباد: «أما الفقيه أبو نصر فإذا جاء حدَّثنا وأخبرنا فناطق وصادق، وناقد وحاذق»، وقال الذهبي: «الإمام المحدث صدر الكبراء … وكان ذا فهم وعلم وقبول عظيم».
انظر: الأنساب (١/ ١٥٣)، السير (١٧/ ٨٩)، طبقات الشافعية للأسنوي (١/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>