للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم غادرها سنة (٥٠٠ هـ)، ودخل في هذه السنة البصرة في شهر جمادى الأولى (١)، وسأل عن علمائها، وروى عن ثقاتها، وذكر الدكتور حسن عبد الحميد أنَّه عاد إلى بغداد، مرة أخرى، وفي السنة نفسها غادرها متوجِّهاً إلى مدن وقرى الخلافة الشرقية، وقد ذكر السِّلفي عدة مدن دخلها وروى عن أشياخها في كتابه في الأربعين، كأذربيجان وأرمينية وهمذان وأبهر وباب الأبواب والدينور وغيرها، وفي رحلته هذه كان يسمع وينتخب وينسخ، وكان ينسخ المجلد الضخم في الليلة الواحدة، وكان يملي ويصنف، فمما صنفه في تلك الرحلة، الأربعون البلدانية، وتراجم شيوخه الأبهريين، وغيرها، وتَجمَّع لديه عدد كبير من الأجزاء والكتب، وكان من الصعب عليه حملها معه، فتركها واستودعها في أماكن متعدِّدة، كثغر سَلَماس، وثغر آمد، وسيأتي ذكر ذلك في مبحث مصنفاته وكتبه.

وبعدها توجه إلى الشام، فدخل دمشق سنة (٥٠٩ هـ)، وذكره ابن عساكر في تاريخه، فقال: «قدم علينا دمشق طالب حديث سنة تسع وخمس مائة، وأقام بها مدة، وكتب بها عن جماعة من شيوخنا … وحدَّث بدمشق فسمع منه بعضُ أصحابنا ولم أظفر بالسماع منه، وقد سمعت بقراءته من شيوخ عدة» (٢).

ولم يلبث كثيراً في دمشق، حيث خرج منها سنة (٥١١ هـ)، فدخل صور، وبعدها ركب البحر في نفس السنة إلى الإسكندرية، وفي نيته التوجه إلى المغرب والأندلس للسماع من أصحاب أبي عمر ابن عبد البر، ثم العود إلى أصبهان، فلما دخل إلى الإسكندرية دخلها عالماً في كل فنٍّ من فنون الشريعة، فاحتفى به كبراؤها، وأكرمه أهلها، فعقد لهم مجالس للسماع والأخذ عنه، فرُحل إليه من المشرق والمغرب، وتردَّد عليه المغاربة والأندلسيون، خاصة من كان متوجِّهاً منهم إلى الحج، مع أنَّه كان تحت


(١) انظر: الوجيز (ص ٨٣).
(٢) تاريخ دمشق (٥/ ٢٠٨، ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>