للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب محبة الصحابة رضي الله عنهم]

نقول للأحبة: منهج أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المحبة، وأنه يجب علينا أن نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبب حبهم لأمور متعددة: أولاً: أن هؤلاء القوم اصطفاهم الله اصطفاءً ربانياً، ولذلك روى أبو داود الطيالسي رحمه الله، عن ابن مسعود قال: [إن الله نظر إلى قلوب العباد فلم يجد قلباً أطيب من قلب محمد صلى الله عليه وسلم فاختاره الله للنبوة، ثم نظر إلى قلوب العباد فلم يجد قلوباً أطيب من قلوب الصحابة إلى قيام الساعة فاختارهم الله لصحبة محمد صلى الله عليه وسلم] فيعتبر ذلك اصطفاء ربانياً، فلم يختر أحداً من العصور القريبة، وإنما اصطفاهم لصحبة هذا النبي الكريم، فجمع الله الطيب مع الطيب، وبناءً عليه نقول: هذا اصطفاء رباني يوجب لهم الحب رضي الله عنهم وأرضاهم.

الأمر الثاني: أن الله شرفهم بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم، وهنيئاً لقوم رأوا محمداً رؤية واحدة ولو لحظة، ولهذا فإن فضل الصحبة لا يوازيه شيء أبداً من الدنيا، ولذلك ثبت في الصحيح وتكملته في بعض كتب السير أن سعيد بن زيد رضي الله عنه وأرضاه أحد العشرة المبشرين بالجنة، قالوا: إنه دخل مجلساً وهو في الكوفة، فوجد رجلاً قائماً ويتكلم، ولعل سعيداً رضي الله عنه وأرضاه كان ثقيل السمع، فسأل من حوله: ماذا يقول هذا الرجل؟ قالوا: إنه يسب علي بن أبي طالب، فعجب رضي الله عنه وأرضاه ووقف غاضباً وقال: أشهد بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة) ثم عد العشرة، ولما وصل إلى العاشر تلكأ لسانه وسكت، قالوا له: يا سعيد! من العاشر؟ قال: قد عدني رسول الله منهم، لم يرد تزكية نفسه رضي الله عنه وأرضاه، بل سكت ورعاً وزهداً رضي الله عنه وأرضاه، ثم قال قولته المشهورة: [لمقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تغبر فيها قدماه خير من عمر أحدكم يعمر عمر نوح يعبد الله فيه] .

إذاً شرف عظيم من يستطيع أن يقدح فيه.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله ورضي عنه في الفتاوى: إذا جهل الناس فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تعليمهم تلك الفضائل من دين الإسلام.

عجباً لأمة تعرف عن أهل المعاصي والفسق ما لا تعرفه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!! كم من المسلمين لا يعرفون أسماء العشرة المبشرين بالجنة، مع أنهم يعرفون عشرات بل مئات من أهل المعاصي والفسق، دل على أنه يجب علينا نشر فضائلهم لأجل أن يحب هؤلاء القوم، وقاعدة: أنك لا تحب شيئاً أو شخصاً حتى تعرف ما فيه من المزايا والخصائص، وكلما عرفت عن الشخص شيئاً يرغبك فيه ازددت حباً فيه.

الأمر الثالث: نصرتهم لدين الله تعالى، فهؤلاء القوم كان لهم من السابقة العظيمة العجيبة في نصر دين الله تعالى، وقد أثنى الله عليهم: {يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر:٨] وسبحان الله! كم حدث لهم من النصر لدين الإسلام، سواء في المعارك في قتال المرتدين، أو في قتال الكفار، أو من المواقف العجيبة العظيمة، ولهذا قدموا نفوسهم رخيصة في سيبل الله، ولهذا قال الصحابي رضي الله عنه وأرضاه:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي

إذا كان في ذات الله تهون النفس، وكم قدم الصحابة من نفوسهم، وذكروا أن في قضية نصرتهم لدين الله تعالى أن عبد الله بن حرام رضي الله عنه وأرضاه في غزوة أحد لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج جاء بابنه جابر بن عبد الله، وقال له: يا بني! والله لولا أنني أحب أن أموت وأقتل في سبيل الله في هذه المعركة لتمنيت أنك تقتل أمام عيني وأنا أنظر في معارك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو يفدي الإسلام بنفسه ويريد أن يقدم ابنه كذلك، وكل ذلك محبة في نصر دين الله تعالى وإعلاء كلمته، وقصصهم في ذلك تطول بنا، وكم نحن في حاجة إلى أن يعرف الناس الصحابة والجهاد ومواقفهم في جهادهم لإعلاء كلمة الله.

الأمر الرابع: صبرهم على أذى المشركين، ولقد صبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين صبراً عجيباً غريباً، وكم حصل لهم من الأذى رضي الله عنهم وأرضاهم.

وقد ورد بسند حسن أن عمار بن ياسر وأمه وأباه كانوا يعذبون، فمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض كتب السير أن عماراً رضي الله عنه قال: يا رسول الله! أكل الدهر هكذا؟ أي: منذ أسلمنا إلى الآن ونحن نعذب، أما ينكشف ما نحن فيه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) فما اشتكى عمار بعده ولا سمية؛ لأنهم صبروا لذات الله تعالى على أذى المشركين، وما كانوا يعاقبون به وكذلك بلال وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حدث لهم.

الأمر الخامس: هجرهم لأوطانهم وتركها، وما أصعب على الإنسان أن ينطلق من وطنه ويتحول ولعلي أضرب لكم مثالاً بسيطاً: أنت مثلاً وظيفتك في الرياض، فلو حصل للإنسان ترقية في وظيفته، ونقل إلى خارج الرياض لضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتكدرت عليه نفسه، وحاول بشتى الوسائل والوسائط؛ لأجل أن يرجع إلى ما ألفه وغيره، ونقول: أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم تركوا بيوتهم وأموالهم، وتركوا عشائرهم في هجرتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وبعد ذلك كتب الله لهم الأجر العظيم.

وميزهم الله بمزايا عجيبة عظيمة، ولعل من اللطائف مما يدل على هجرة الصحابة: أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها وأرضاها كانت ممن هاجرت إلى الحبشة، وما قدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة السابعة من الهجرة في يوم خيبر، ولما قدمت رضي الله عنها سأل عمر بن الخطاب ولعلها كانت في بيته: [من هذه؟ قالوا: أسماء بنت عميس، قال: الحبشية -أي: التي هاجرت إلى الحبشة k:- قالوا: نعم، قال لها عمر مفتخراً: لقد هاجرنا مع رسول الله وقاتلنا فوقفت رضي الله عنها وقالت: إنكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسيكم ويطعم جائعكم، ولكننا في أرض البغضاء البعداء]] أي: كأنها تعجب كيف توازن بين هذا وهذا، وغضبت رضي الله عنها، كيف لا يكون لهم من الفضل، وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره بخبر عمر، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم مسلياً لها: (إن الله كتب لكم هجرتين ولهم هجرة) هاجروا وتركوا، وما أشق على النفس أن يترك الإنسان وطنه الذي ألفه، وهذا يوجب لهم الحب في قلوبنا والتعظيم والإجلال.

الأمر السادس: تقديم حب الله ورسوله على كل شيء، أليس قيل لـ خبيب رضي الله عنه وأرضاه لما ربط للقتل: [أتحب أن محمداً مكانك وأنت عند أهلك طليق؟ قال: لا أحب أن محمداً يصاب بشوكة] ودل على أنهم يفدونه صلى الله عليه وسلم من عظيم حبهم، ويعبرون عن الحب: إني أحب الله ورسوله، ويثني عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وعجب لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر لما قدح الصحابة فيه قال: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم، إنه يحب الله ورسوله) مع أنه يشرب الخمر لكنه يحب الله ورسوله، مما يدل على ما يتميز به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر.

الأمر السابع: سابقتهم للإسلام، والله سبحانه وتعالى قد أثنى عليهم في غير ما آية لسبقهم للإسلام، وكلما كان الإنسان أسبق كان أعلى رتبة.

الأمر الثامن: تبليغ دين الله على أيديهم، ولعل من أعظم ذلك: (من دعا إلى هدى كان له مثل أجره وأجر من عمل به إلى قيام الساعة) وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا إلى الهدى، وما من خير وصلنا إلا على أكتافهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن علم منهم وروى عنهم واستفاد منهم يكون ذلك في ميزان حسناتهم إلى قيام الساعة، وهذا فضل من الله تعالى عظيم جداً، أن يجري الله على أيديهم هذا الأجر العظيم، وهذه المنازل العظيمة.

بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً لنا ألا نقع فيهم، حيث قال: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) والحديث في سنن الترمذي، ورواه الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي في الاعتقاد، وقال الإمام الترمذي: حديث حسن غريب.

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) وهذا الحديث في صحيح البخاري.

دل على أن من يبغض الأنصار فهو منافق، وأن هذه آية من الآيات التي تدل على نفاق قلبه.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة كما أخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً لهم: (لا يبغلني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاًَ، فإني أحب أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) أي: يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحبهم.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار كما في صحيح مسلم من حديث البراء رضي الله عنه وأرضاه: (لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله) .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في

<<  <  ج: ص:  >  >>