للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف الشيعة من الصحابة رضي الله عنهم]

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لعلنا تكلمنا في الدرس الماضي عن طائفة الخوارج وموقفهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسنتكلم عن طائفة تدعي محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم، وقد وصلت بهم إلى مرتبة الألوهية والربوبية، وجعلتهم في منازل الأنبياء ومن لم يكن من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يعتبرون به ولا ينظرون إليه، ولهذا انطلقت إلسنتهم في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالطعن والقدح والنقد، ويقولون: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتدوا بعده، ولم يبق منهم على الإسلام إلا عدد يسير أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وكذلك المهاجرون والأنصار كلهم تحولوا عن دين الإسلام وانحرفوا، ولم يبق إلا سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، وحذيفة، وأبو الهيثم، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وعدد يسير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويدل على ذلك ما رواه الكليني بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: ارتد الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: المقداد وسلمان وأبو ذر.

وروى الكليني عن عبد الرحمن بن القصير قال: قلت لـ أبي جعفر: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، يقصد أهل السنة يفزعون إذا قيل: إن الصحابة ارتدوا فقال: يا عبد الرحمن! إن الناس عادوا بعدما قُبض النبي صلى الله عليه وسلم أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير، جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية، أي: سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه وإذا بالنتيجة حصلت أنهم أعادوا مجد الجاهلية كما كانت من قبل، وغيرها من الأمور التي اتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالارتداد، ولا شك أنهم في هذا قد خالفوا آيات كثيرة، كما في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [التوبة:١٠٠] الله يعدهم بجنات عدن وهؤلاء لا يعدونهم إلا بنارٍ خالدين فيها.

وكذلك في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:٨٨-٨٩] وهذا لا شك أنه من ثناء الله تعالى عليهم.

ويقول شرف الدين الموسوي في كلام طويل حول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم، قال: وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، قال: فنحن نحتج بعدولهم، ونتولاهم في الدنيا والآخرة، وأما ما عداهم فلا نقبل منه.

ويقول: إن العدالة في الصحابة لم يدل عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة، ولو تدبرنا القرآن الكريم لوجدناه مشحوناً بذكر المنافقين، ويكون هؤلاء المنافقين هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن كلامهم هذا قبيح.

ومما اتهموا به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم حرفوا القرآن، وأسقطوا منه كلمات وآيات، وتزعم هذه الطائفة التي تدعي محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة أضعاف القرآن الموجود بين أيدينا قد حرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن الصحيح هو الذي كان موجوداً عند علي بن أبي طالب، والآن هو محفوظ عند الإمام الغائب في السرداب الذي ينتظر متى يخرج فيخرج لنا القرآن الذي لم يكن موجوداً بين أيدي الناس.

وذكروا أن القرآن نزل على سبعة عشر ألف آية -وهذا موجود في كتاب الكليني - والقرآن الذي بين أيدينا هو قريب من ستة آلاف آية، فبناءً عليه حرف الصحابة فيه، ولهذا قالوا: إن سورة (لم يكن) ورد فيها أسماء سبعين من رجالات قريش حذفها الصحابة كلها، وكانت تفضحهم وتسمى الفاضحة عندهم إلى غير ذلك.

والعجب من هذه الطائفة أن كل آية وردت في المنافقين، وفي أهل المعاصي، وفي أهل الفجور وغير ذلك كلها تنطبق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل آية وردت في أهل الجنة، وفي أهل الإيمان والصلاح ربطت بـ علي وآل بيته فقط، وأما سائر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فليس لهم حظ في القرآن أبداً.

ومن الأمثلة: روى الكليني في كتابه الكافي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله وهو جعفر الصادق، قال: إن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريك ما مصحف فاطمة؟ قلت له: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما في قرآنكم الذي بين أيديكم حرف واحد منه، قلت: والله هذا العلم، أي: فقدنا العلم كله إن لم يكن بين أيدينا هذا المصحف، وإن الذي بين أيدينا شيء محرف وقد غُير وبُدّل.

ومنها: ما ورد عن جابر، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده.

ومنها كذلك آثار كثيرة تبين أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قد غيروا هذا المصحف، بل ألف أحد أئمتهم كتاب (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب) وهو كتاب طبع في إيران، وإن كانت نسخه لا يريدون بقاءها مخافة أن يتهموا بذلك، ويرون أن القول الراجح عندهم أن القرآن ليس بمحرف، ولكن هذا غير صحيح، بل رجح ذلك جمع منهم، بل في كتاب الكليني إذا أردت أن تعرف هذه الطائفة فانظر له في وضوئه؛ لأن عندهم قول الله تعالى عندنا: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] عندهم: (وأيديكم من المرافق) فتجده يبدأ بالغسل من أعلى ولا يبدأ من أسفل، وهذا موجود في كتاب الكليني لا أحد يستطيع أن ينكره، ولو قالوا بتحريفه فهذه نصوص سواء كان التحريف لآيات أو لسور، أو كان التحريف لحروف القرآن وما دلت عليه فهذا جزء نسميه من التحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>