يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي رزق الهدى من للهداية يسأل
سبق أن تكلمنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدث بينهم اختلاف في مسائل العقيدة، كباب الأسماء والصفات، أو مسائل الألوهية رحمهم الله ورضي عنهم، وأسسنا هذه القاعدة لنعلم أن كل اختلاف حدث بعدهم ليس إلا البدع والانحراف عن صراط الله المستقيم.
لقد كان سلف الأمة رحمهم الله تعالى إذا أتاهم نص في مسائل الاعتقاد يتلقونه بالتسليم والقبول، ويقابلونه بالإيمان العظيم والتسليم لله ولرسوله.
لم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع من عرض هذه النصوص على عقولهم فما قبلته أخذوه وما لم تقبله عقولهم ردوه، ولم يجعلوا القرآن عضين، بل أقروا بآيات الأسماء والصفات، وعملوا بآيات الأحكام، وساروا على صراط الله المستقيم، حالهم ومنهجهم رضي الله عنهم في حال التنازع والاختلاف الرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:٥٩] .
ولم يكن رده إلى العقول، ولا لأقوال أهل البدع، ولا لمناهج المبتدعة، وإنما كان لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:٦٥] فما حدث بينهم من نزاع أو اختلاف عندهم الكتاب والسنة، ثم ما أسرع ما يرجعون إليه، ويتمسكون به، ولم يكونوا يحكمون الرأي في مسائل الدين والاعتقاد؛ لأن الكتاب والسنة أصل عظيم في مسألة التنازع.
لقد نهى السلف رحمهم الله تعالى عن قضية الرأي في الدين.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:[اتهموا الرأي في الدين] ثم ذكر قصته في صلح الحديبية رضي الله عنه: [لقد رأيتني وإني لأرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي، وأجتهد ولا آلو، وذلك يوم أبي جندل] رضي الله عنه وأرضاه ثم يقول رضي الله عنه محذراً: [إن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها] .
فكان بعد ذلك أن تفلتت عليهم السنة، فلم يحفظوا منها شيئاً، فعند ذلك أجالوا عقولهم في دين الله تعالى، وأفسدوا الرأي، وأخطره ما كان متعلقاً بباب الأسماء والصفات، وبمسائل القضاء والقدر، وهو الذي حدث فيه الانحراف من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية وغيرهم؛ لأنهم حكموا عقولهم في باب الأسماء والصفات، وفي مسائل القضاء والقدر.