الطريقة الثانية للعلماء: كتابة المطولات، والمطولات إذ يؤلفها العلماء رحمهم الله تعالى يقصدون من ذلك: نشر العلم والتوسع فيه، وبيان مسائل الخلاف، وعرض العلم بتأصيل وعمق، ونجد عجباً في كتب أهل العلم أن شخصاً واحداً يشرح حديثاً ويستخرج منه ألف مسألة علمية، ومن ذلك ما يوجد في كتابات العراقي كما في طرح التثريب، وكذلك تجد ابن حجر مثلاً في فتح الباري، ومثلها كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتابات الإمام ابن القيم رحمهم الله تعالى فقد تكون مسألة واحدة يسأل عنها العالم فيؤلف مجلدات بسبب هذه المسألة، ولو نظرنا إلى ابن القيم عندما شرح منازل السائرين، وهي مختصر صغير، ولكنه كتب ثلاثة مجلدات ضخمة في شرح هذا المتن الصغير، فرحمه الله تعالى.
ومن الأمثلة على ذلك حديث الذي جامع أهله في نهار رمضان، ذكر شيخنا الشيخ: محمد بن صالح العثيمين أن بعض العلماء استنبط من هذا الحديث ألف مسألة علمية، ونقول:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة:٤] وهو مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) أي: يعطيه ملكةً لاستنباط مسائل العلم والاستفادة منها.
ونقول لطالب العلم: اقرأ في المطولات بعد أن تؤسس نفسك بمسائل المتون وقراءة المختصرات، ونجد عجباً في حال بعض الأحبة من طلاب العلم، فتجده في حال الطلب ربما لم يطلب العلم إلا بعد أن خرجت لحيته، وربما شعر بأنه قد وصل إلى رتبة لا حاجة إلى أن يقرأ في متنٍ صغير، ويبدأ بالكتب المطولة، ويقول: إني أفهم وأعرف ما يقوله هؤلاء العلماء، فلست بحاجة إلى أن أبدأ بالمختصرات التي لصغار طلاب العلم، ولكن نقول: أخطأت الطريق، ولو بلغت ما بلغت من السن فلا بد أن تبدأ بالمتون الصغيرة؛ لأنها قاعدة لطالب العلم ينطلق بعدها إلى ما بعده.
وكان مشايخنا رحمهم الله تعالى وغفر لهم يجعلون لطلاب العلم دروساً وملتقيات، يبدءون المبتدئين فيها بالمختصرات، ويجعلون للكبار المطولات، وربما لا يسمحون للمبتدئ أن يحضر المطولات؛ مخافة أن يزهد في المختصرات وفي تأصيلها، ويجد الإنسان إذا رأى أنه جلس مع كبار طلاب العلم فرح وانشرح صدره، وربما بعد شهرين وثلاثة قد يجرؤ على الفتيا فيقول: أنا معهم، والعلم الذي يقوله الشيخ قد سمعته، فلا مجال لأن أحجم عن قضية المواصلة وعن الطلب، ولكن هؤلاء لم يعرفوا الطريق في طلب العلم.