ننتقل إلى موضوع القبر والحياة البرزخية، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول في لاميته:
ولكل حي عاقل في قبره عمل يقارنه هناك ويسأل
لاشك أن القبر يعتبر منزلاً، أو يسمى: الحياة البرزخية، منزلة بين الحياة الدنيا وبين دخول الجنة أو دخول النار نعوذ بالله من النار.
قال المؤلف:(ولكل حي) قال العلماء في اللغة: الحي: هو نقيض الموت، أو الحياة هي نقيض الموت، والحي هو: كل متكلم ناطق، ويعرف أن الإنسان بالنسبة لخصيصته هذه أنه متكلم ناطق، هذا ينطبق على الإنسان فقط، قالوا: إن الإنسان حيوان ناطق، ويعتبر كلُ شيء له حياة مستقلة، بالنسبة للإنسان قالوا: هو متكلم ناطق، وبالنسبة للنبات قالوا: ما كان طرياً يهتز، وقالوا: المسلم هو الحي الحياة الحقيقية، ولذلك الكفار يعتبرون أمواتاً.
قال المؤلف:(عاقل) العقل مأخوذ من عقل فهو عاقل وعقول، قال ابن الأنباري: رجل عاقل، وهو الجامع لأمره ورأيه، دل على أن من لم يجمع أمره ولا رأيه لا يصبح عاقلاً، قالوا: إنه مأخوذ من عقلت البعير، وهو إذا جمعت قوائمه بحيث لا ينطلق، والعقل يجعل الإنسان يضبط سلوكه وأعماله، ولهذا أضرب لكم مثالاً سهلاً: نحن الآن جلوس، فلو جاء إنسان وخلع ثيابه وجلس (بفنيلة) وسروال مثلاً، ستجد الناس يقولون: هذا ليس بعاقل، هل خالف في ستر العورة؟ لم يخالف.
هل فعل أمراً محرماً؟ لا، لكن العقل يضبطه، وهو الذي يضبط تصرفات الإنسان، ولكل مقام مقال، ولكل حادث حديث، ينبغي للإنسان أن يضبط جوارحه، ولهذا تجد مثالاً سهلاً: لو جاء إنسان ولبس لباس الرياضة وجلس في وسط المسجد في حلقة العلم، نقول: هذا خلاف الأدب، وما كان ينبغي مثل هذا العمل.
ولهذا قال بعض العلماء: بعض الأمور تخالف المروءة، والإنسان لا يذهب الآن إلى المسجد بقميص النوم مثلاً لصلاة الجمعة وغيرها، وإن كان قد بدأ يظهر عند الناس هذه المفاهيم ولا ينضبطون بها، هذا هو العقل.
وسمي العقل عقلاً لأنه هو الذي يحبس الإنسان عن الانطلاق إلى سفاسف الأمور، أو الأمور التي لا تحب، وقيل: إن العاقل هو الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، وسمي العقل عقلاً؛ لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك.
وقيل: إن العقل هو الذي يميز الإنسان عن سائر الحيوانات كلها، وما ميز الإنسان إلا بعقله.