[علامات معرفة أهل البدع]
ننتقل إلى موقف المبتدعة من نصوص الكتاب والسنة: قلنا سابقاً: إن المؤلف رحمه الله تعالى لم يتعرض لكثير من أسماء الله وصفاته، وإنما أومأ لبعضها، والمبتدعة يشرقون دائماً بالنصوص التي تلقمهم الحجر، فمثلاً: الصفات الفعلية: المحبة، والغضب، والنزول، والاستواء، والرضا وغيرها صفات أفعال، والمبتدعة لا يثبتونها للرب سبحانه وتعالى، ولهذا ما موقفهم منها؟ وهناك طوائف أشد ضلالاً، فلم يثبتوا شيئاً من الأسماء والصفات للرب أبداً، بل شبهوا الله إما بالجماد أو بالمعدوم، عجباً لهؤلاء القوم من الجهمية المعطلة! وسار على ذلك المعتزلة، وغلاة الرافضة.
١- من علاماتهم: قالوا: الأخبار تنقسم إلى قسمين: أخبار متواترة وأخبار آحاد، فقالوا: الأخبار المتواترة هي ما تواتر سندها، أما ما تدل عليه من المعاني والفوائد والأحكام فهي ظنية، فإذا كان المتواتر هو الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المتواترة ظنية الدلالة، فما النتيجة؟ أننا لا نفهم منها شيئاً، ولا نحتج بها لا في الاعتقاد ولا في غيره، وهذا انحراف واضح بل هو الضلال بعينه.
ثم أخبار الآحاد: وإن صح سندها، فهي ظنية الثبوت من جهة السند، وظنية الدلالة، فلا يقبلونها، ولذلك عندما ذكرت أنك إذا أردت أن تميز شخصاً مبتدعاً، فمن العلامات أن تنظر إلى كلامه في الأخبار، فإن قال: خبر الآحاد لا يحتج به في مسائل الاعتقاد فاعلم أنه ليس سلفياً في معتقده، وأن عليه ملحوظات في هذا المعتقد، هذا جزء من علامات المبتدعة.
٢- ومن علاماتهم: أنهم يؤصلون مقدمات عقلية، ثم يجعلونها هي الحاكمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قالت المعتزلة: أي نص في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يوافق العقل فإنه يقدم العقل ويطرح الكتاب والسنة، ولا شك أن هذا هو الضلال بعينه.
فلا ندري أنأخذ بعقل المعتزلي أم بعقل الجهمي؛ أم الأشعري، أم عقل الماتريدي، أم الكلابي أم غيره، بمن من العقول نأخذ؟! ومن هي العقول التي تكون حاكمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هذا هو الضلال بعينه، ولهذا جعلوا لهم مقدمات وليست إلا ضلالات، وقال فيها الإمام ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية مستشهداً بقوله تعالى: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:٣٩] ولذلك لم يهتدوا لكتاب ولا سنة.
٣- ومن علامات المبتدعة: أنهم يجعلون بدعهم هي التي تعرض عليها نصوص الكتاب والسنة، فهم منحرفون في الأصل، وعندهم الضلال، فيجعل البدعة التي عنده هي الحاكمة على الكتاب والسنة، وكم نجد من الغرائب، اقرأ في كتب التفاسير، فـ الأشاعرة إذ يفسرون القرآن يعرضون نصوص القرآن على بدعهم التي عندهم، والمعتزلة إذ يفسرون القرآن كذلك، والخوارج إذ يفسرون القرآن كذلك، والرافضة إذ يفسرون القرآن يعرضون النصوص على البدعة التي عندهم فما وافق البدعة سموه محكماً، وما خالف البدعة سموه متشابهاً، فجعلوا ما وافق بدعهم محكماً، وما خالفها متشابهاً.
إذاً لهم من المتشابه موقفان: الموقف الأول: أنهم يفوضون المعنى فيقولون: هذه النصوص لا ندري ما هي ولا نعرفها.
الموقف الثاني: أنهم يئولون النص عما دل عليه، وفي الحقيقة أن التأويل حق أن نسميه تحريفاً وليس تأويلاً، مثلما قالوا في الاستواء: الاستيلاء و {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] قالوا: اليد هي النعمة والقدرة، هذا تحريفٌ وليس تأويلاً، بل هذا هو الضلال، والله يثبت لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهم يقولون: نحن يا رب أعلم بأن نصفك منك إذ تصف نفسك، هذا هو لازم كلامهم وهو لازم مذهبهم، فمن يقول: أنا لا أثبت لله الأسماء الحسنى ولا الصفات العلى، كأنه يقول: يا رب! أنت جئت بهذه ولست الذي تصف نفسك نحن نعطيك ما هو أنزه لك ولا نريد أن نشبهك بالمخلوقين، وهذا هو الضلال بعينه.
ولو سُئلنا يوم القيامة: لِمَ أثبتم اليد لله والإصبع والقدم؟ قلنا: قد وردت في كتابك وقد بينها لنا رسولك صلى الله عليه وسلم، فمن احتج بكتاب الله وسنة رسوله فلا عتبى عليه، لكن إذا قيل له: لماذا لا تثبت هذا الشيء وقد جاءك في الكتاب والسنة؟ يقول: يا رب! أنا خشيت أن أشبهك بالمخلوقين، أأنتم أعلم أم الله؟! أنحن أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بربه، والله يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:٨٧] .
إذاً أصبح الواجب علينا ألا نسير على مناهج هؤلاء الذين انحرفوا عما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.