للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منازل الصحابة رضي الله عنهم]

أما في قضية منازل الصحابة رضي الله عنهم فنقول كما سيأتي: أفضل الصحابة على الإطلاق: أبو بكر الصديق، ثم عمر، وهذا بإجماع الأمة قاطبة، وحصل خلاف بين التابعين هل بعده علي بن أبي طالب أم عثمان، ولكن الرأي الصحيح وهو رأي جمهور سلف الأمة أن عثمان أفضل، ثم بعد ذلك علي بن أبي طالب ثم العشرة المبشرون بالجنة.

واتفق أهل السنة والجماعة على القول بتفضيل المهاجرين على الأنصار، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار، وليس هذا التفضيل يؤدي إلى استنقاص أحدٍ منهم، بل لكل منهم منزلة وفضل؛ رضي الله عنهم وأرضاهم.

ويشهدون كذلك لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بجنات عدن، وهذا هو الواجب علينا دائماً أن نسير على ضوئه، ثم يقدمون أهل بدر وكذلك من شارك في الغزوات فلهم منازل عليا.

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالته إلى عدي بن مسافر، قال: ويجب الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإن الله أثنى عليهم في كتابه في غير ما آية، وقد ذكر أن اتفق أهل السنة والجماعة على ما تواتر من فضائل أمير المؤمنين، وأن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر، واتفق كذلك الصحابة على بيعة عثمان رضي الله عنه، لئلا ينتقده الخوارج، وكذلك ينتقد خلافته الذين يدَّعون موالاة آل البيت من الرافضة وغيرهم.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل هؤلاء الأربعة الأئمة الخلفاء الراشدين المهديين قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة) ثم تصير بعد ذلك ملكاً يتولاها ابناً عن أب، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سيرة هؤلاء الأربعة رضي الله عنهم، وذكر أن آخر الخلفاء الراشدين هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

ومما اتفق عليه عامة أهل السنة من العلماء والعباد والأمراء والأجناد أنهم يقولون: أبو بكر وثم عمر وثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأرضاهم، وكذلك نجد أهل السنة والجماعة يتولون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام عليه بشيء من التفصيل.

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن أهل السنة والجماعة يشهدون لـ عائشة بنت أبي بكر الصديق أنها المبرأة من السماء على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام إخباراً عن الله عز وجل، وقد ورد فيها عشر آيات في سورة النور تبين براءة عائشة مما اتهمت به.

ولذلك قال جمع من أئمة أهل السنة: إن من قدح في عائشة رضي الله عنها أو اتهمها بما برأها الله به فإنه كافر خارج من هذا الدين، لأنه بذلك كذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كذب الله ورسوله فلا شك بأنه كافر، لأنه أنكر شيئاً تواتر في الكتاب وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ويحذرنا أهل السنة والجماعة من التعرض لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقد أو لمز أو غيره؛ لأن ذلك قد حرم علينا في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:١٢] وأول ما ينطلق على أدنى كلام في الصحابة فهو غيبة، وقال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:٥٨] قال: ومن تعرض للصحابة رضي الله عنهم فإنه داخل في أذى المؤمنين والمؤمنات، بل في أذى الأمة جميعاً، فنحن نتأذى إذ نسمع أحداً يتكلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى شيء.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال فيهم في بيعة الرضوان كما ثبت في الصحيح: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وهم لا شك بأن عددهم كبير، ومن تعرض لهم بشيء فقد لمز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى ابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة والإمام أحمد في فضائل الصحابة، عن نسرين بن ذعلوب، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره] وكذلك نقلاً عن عائشة أنها قالت: [يا ابن أختي! أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله فسبوهم] ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة] ويُروى أثر عن ابن المبارك وذكره ابن كثير رحمه الله تعالى أنه سئل: أيهما أفضل: عمر بن عبد العزيز أم معاوية بن أبي سفيان؟ فقال ابن المبارك: غبار في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز، ولعل هذا مبالغة في جعل السياج لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيماً، ومنازلهم كبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>