[سند أهل البدع]
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مفهوم كلامه: إن للمبتدعة سنداً، ويسلسله فيقول: عندهم الجهم بن صفوان، عن الجعد بن درهم، عن بيان بن سمعان، عن طالوت، عن لبيد بن الأعصم، وربما بعضهم يقول: واصل بن عطاء، عن جهم، ثم بعد ذلك واصل، عن جهم، عن الجعد، عن بيان بن سمعان، عن طالوت، عن لبيد بن الأعصم، كأنه سند سداسي للمبتدعة، وهؤلاء نعتبرهم أئمة ضلال وانحراف، لم يهتدوا إلى صراط، وإنما كان كل واحد منهم قائداً لفرقة ضالة عن صراط الله المستقيم.
ولعلنا نذكر بعضاً من تراجمهم على عجل، فمثلاً: بيان بن سمعان: كان يرأس فرقة تسمى البيانية، وهي من غلاة الرافضة، يقال: بيان بن سمعان التميمي مولاهم، أصله من سواد الكوفة، قالوا: كان تباناً، ويبدو أن التبن خير من عقله وما عنده، قالوا: وهو يعتبر من الغلاة، وهو من الباطنية، قبض عليه خالد بن عبد الله القسري رحمه الله، وسبحان الله! خالد بن عبد الله القسري لما ترجم له الإمام الذهبي في سير أعلامه ذكر أنه عنده حدة وظلم، ولكن لعلنا نقول ظلمه كما قال الله: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [الأنعام:١٢٩] فسلط الله الرجل على قيادات وعلى أئمة من أئمة الضلال، قتل بيان بن سمعان، وقتل الجعد بن درهم، وقتل المغيرة بن سعيد العجلي وهو من الباطنية، فسلطه الله عليهم، قبض عليه خالد بن عبد الله القسري هو والمغيرة بن سعيد مع خمسة عشر من رجالهم، جيئ بهم إلى مسجد الكوفة، وعلقهم بأوتاد من قصب، ثم صب عليهم النفط وأحرقهم.
ذكروا أن بيان بن سمعان لما وصلته النار فر، ثم لما نظر إلى أصحابه يحترقون وهو لم يحترق دخل معهم، فموته معهم يرى أنه خير، فجمع الله له هذه النار ونار جهنم نعوذ بالله منها.
له آراء عجيبة غريبة، كان يفسر القرآن تفسيراً باطنياً، ويقول: أنا الوارد في قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٨] ويقول: إنه هدى وموعظة للمتقين، من أراد الهداية والتقوى فليتبعنِ، ولا شك أن هذا كلام باطل لا شك فيه، كان يقول: إن علياً إله.
ويفسر قول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:٢١٠] قال: إن هذا هو علي بن أبي طالب، قبحه الله أنى يؤفك.
ومنها كذلك: أنه كان يعتقد أن في السماء إله وفي الأرض إله غير إله السماء، وقيل: إنه أول من قال بخلق القرآن، وهو شيخ الجعد بن درهم.
الجعد بن درهم هو مولى بني مروان، قال ابن كثير رحمه الله: أصله من خراسان، والإمام الذهبي يقول: من حران، وقيل: كانت حران موطن للصابئة، وذكر الموطن يدل على أن الإنسان يتأثر بالموطن الذي يعيش فيه، وبالفكر الذي يقول به.
قالوا: إن الجعد بن درهم هو أول من نشر نفي الصفات، وتعلم على يديه الجهم بن صفوان، قتله كذلك خالد بن عبد الله القسري سنة (١٢٠هـ) ، وقيل: إن سبب قتله أنه كان يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً.
ولما قبض عليه جاء به خالد بن عبد الله القسري، ثم ربطه في أصل المنبر، وقام خطيباً -وكان الأمراء هم الذين يخطبون- فبدأ خالد بن عبد الله القسري خطبته بحمد الله، قال: الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم موسى تكليماً، وكان الجعد بن درهم في أصل المنبر قال: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، ولما انتهى من خطبته ووعظ الناس وذكرهم، قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم، فنزل فذبحه كما تذبح الشاه، وأثنى عليه الإمام ابن القيم، قال:
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان
أثنى عليه، فدل على أن هذه من القرابين التي يتقرب إلى الله تعالى بها، له أراء عجيبة في مسائل القدر وغيرها.
ومن الأعلام: الجهم بن صفوان، وهذا الرجل أسس مذهب الجهمية، وكان للجعد طائفة اسمها الجعدية، لكن من رحمة الله تعالى أن هذه الطائفة لم تستمر، بل انقرضت، ومن أفراخاها: الجهمية، ومن أصول رجالها: الجهم بن صفوان وهو أبو محرز أصله من بلخ، ذهب إلى الكوفة واتصل بـ الجعد، وأخذ عنه القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله تعالى، حصلت بينه وبين أبي حنيفة رحمه الله تعالى مناظرات في مسمى الإيمان، فهو يرى أن الإيمان ليس المعرفة، ولذلك قالوا: إن الجهم بن صفوان من أجهل الناس بالله تعالى، يرى أنه يكفي مجرد المعرفة بالله تعالى، قالوا: الجهم لا يعرف ربه، والسبب: لأنه يقول: إن الله ليس له أسماء ولا صفات، ويرى الجبر كذلك.
قالوا: هو سمى الإيمان: المعرفة، وسمى الكفر: الجهل، قالوا: فهو أجهل الناس، فكفر نفسه بمعتقده وبمذهبه، قتله سلم بن أحوز حين خرج على الخلافة في عهد بني أمية، وكان خرج مع رجل اسمه: الحارث بن سريج وعلى خلافة بني أمية، وقبض عليه، وكان ذا منزلة عند الحارث، وكان يفاوض الخلافة في مسألة الرجوع، ولم يقبل منه، وغزته الخلافة الإسلامية وقبض عليه، وقيل: إنه قتل لمعتقده، وبعضهم يقول: إنه قتل لأجل خروجه على الخلافة، ولا شك أنه قتل للسببين جميعاً: لخروجه على الخلافة ولمعتقده الضال المنحرف.
هؤلاء بعض رجالات أهل البدع، ولعلنا نكمل بعضاً من هؤلاء في تراجم بعض حياتهم، خاصة وأن بعضهم دائماً يمرون علينا، الجهم والجعد وبشر وواصل وغيرهم من أعلام المبتدعة، نجدهم دائماً أثناء قراءتنا لكتب سلف الأمة رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.