ذكر شيخ الإسلام رضي الله عنه منهجاً فريداً فيما ينبغي لنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقفنا مما ورد من الآثار وما ينبغي لنا، أذكرها على هيئة عناصر استنباطاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قال: أولاً: إن أهل السنة يرون أن الآثار الواردة في مساوئهم وفيما شجر بينهم منها ما هو كذب، وما كان كذباً فإنه لا يعول عليه أصلاً، ولا يعتمد عليه في الحكم أبداً.
ثانياً: أن ما ورد من الآثار منه ما قد زيد فيه ومنه ما نقص منه، ولذلك لا يلتفت إليه، ثم قال رحمه الله تعالى: ومنه ما ورد وكان صحيحاً ثابتاً بسنده، فإنهم معذورون فيه رضي الله عنهم وأرضاهم، ووجه العذر أن نقول: إنهم مجتهدون رضي الله عنهم، فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر، فلهم الأجر لا محالة رضي الله عنهم وأرضاهم، أما أنت في نقدك لهم فماذا سيكون لك من الأجر والثواب؟! ثالثاً: من منهج أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لا نعتقد عصمة أحد من الصحابة عن الكبائر، عن كبائر الإثم ولا عن الصغائر، بل تجوز عليهم الذنوب بمقتضى بشريتهم، وكم سمعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من زنى، ومنهم من سرق، ومنهم من حدث له من المعاصي رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن نقول: ما موقفنا مما حدث لهم؟ نقول: إن لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة هذه الذنوب، وما يصدر عنهم من التي نسميها شيئاً من المعاصي، فإذا كان قد صدر من أحدهم ذنب، فنحن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم من أسرع الناس توبة وإنابة إلى الله تعالى، ومسارعة إلى الرجوع إلى ربهم، ومن تاب من الذنب فكمن لا ذنب له أصلاً، ونعلم كذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حسنات، والله يقول:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:١١٤] وحسنات الصحابة ليس كحسنات من جاء من بعدهم، ونعلم كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعد أصحابه بالشفاعة العظمى، وهم أولى من يدخل في شفاعته صلى الله عليه وسلم، فإذا كنا نرجو شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى من يدخل في هذه الشفاعة.
ثم قال شيخ الإسلام: وإننا نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حصل لهم من الابتلاء في الدنيا ما يكون سبباً لتكفير سيئاتهم، لما نزل قوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}[النساء:١٢٣] جاء أبو بكر وجثا بركبتيه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:(يا رسول الله! كلفنا بأمور وأطقناها، وجاءنا شيء لا نطيقه، قال: ما ذاك؟ قال: إذا كنا كل سوء سنجزى به متى النجاة يوم القيامة يا رسول الله؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ألست تنصب؟ أليس يصيبك اللأواء؟ ألست تمرض؟ ألست كذا، قال: بلى، قال: فإن الله يكفر عنك بذلك) وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتلوا بلاءً شديداً في مكة والمدينة وغيرها، وكان لهم من السابقة ما يكون سبباً لتكفير سيئاتهم وما حدث منهم من القصور.
ونعلم أن ما وقع منهم أنه نزر يسير أمام الفضائل العظمى والمنازل العجيبة التي كانت لهم.
وهذا هو الواجب علينا أن نقف فيه، فمما كان من فضائلهم: الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، والهجرة، ونصرة الرسول، والعلم النافع، والعمل الصالح إلى غير ذلك مما تميز به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونقول بعد ذلك: أبعد هذه النصوص من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة أيجرؤ أحد أن يقدح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا وكلا! بل نقول: لا ينطلق لسان أحد إليهم إلا لخبثٍ في قلبه، وبدعةٍ في نفسه، وانحرافٍ في منهجه، فأصحاب رسول الله لهم المنازل العليا رضي الله عنهم وأرضاهم.