وقالوا: يصل الإنسان إلى مرتبة التحقيق بحيث لا يعتريه شك ولا تردد ولا رجوع عما اعتقده، وهذا يؤخذ من معنى: محقق، أي أن هذا كلام موثق ويقين وجزم لا تردد فيه أبداً، وشيخ الإسلام إذ يعرض عقيدته ليس عنده تردد في مسألة الاعتقاد، بل هو جازم حق الجزم.
ولعلنا ننبه هنا تنبيهاً لطيفاً عند قوله:
اسمع كلام محقق في قوله لا ينثني عنه ولا يتبدل
يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن أهل البدع دائماً لا ينقلبون عن مذاهبهم، ولعل هذا ينطبق على أهل الكلام والنظر، ولقد اتفق سلف الأمة رحمهم الله تعالى على النهي عن الجدال والخصومات على منهاج أهل الكلام والبدع، خاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، ونهوا عن ذلك أشد النهي، ولعل السبب في ذلك: أن أهل الكلام والنظر سرعان ما يتقلبون يمنة ويسرة فلا ينضبطون في معتقدهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله قالوا: إنه كان ربيباً عند القاضي أبي علي الجبائي رباه على الاعتزال أربعين سنة، ثم قيض الله له أن أضاء الله قلبه، وكانت النتيجة أن رجع عن مذهب الاعتزال ورد عليهم رداً قوياً، وغير مذهبه إلى الكلابية، ثم بعد فترة انتقل وكتب كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) ، وأعلن فيه رجوعه عن معتقد أهل الكلام كله، وقال: إنه في باب الأسماء والصفات يسير على عقيدة الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه، واعتبر الإمام أحمد مرجعاً ورمزاً لـ أهل السنة والجماعة دائماً يعتمدون عليه، ويفخر الإنسان أنه على عقيدة الإمام أحمد.