إن الذين قاموا بالرد على هؤلاء المبتدعة هم المبتدعة، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية تنبيهاً لطيفاً عجيباً، كما في الفتاوى، قال: من رحمة الله تعالى بـ سلف الأمة وبـ أهل السنة، أن أهل السنة يتركون المبتدعة يناظر بعضهم بعضاً.
ولذلك تجد أقوى من رد على المعتزلة الأشاعرة، وأقوى من ناقش الأشاعرة المعتزلة، وأقوى من رد على المعتزلة الجهمية، والجهمية على الفلاسفة وهكذا.
قال: فـ أهل السنة يتركون بعضهم ليبطلوا بعضاً، فلا يبقى مع الأشاعرة إلا القليل، ولا يبقى مع الجهمية إلا القليل، ولا يبقىمع المعتزلة إلا اليسير، قال: فينقض أهل السنة على هذه الطوائف فلا يبقى إلا المنهج الحق الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك وقفت المرجئة في وجه الخوارج.
سيأتي إن شاء الله لعلي تعريف لكل طائفة من طوائف البدع التي نحتاجها في عصرنا ولا يزال لها بقايا، من باب توضيح ما هي الطائفة التي نعني.
المرجئة: سموا بذلك من باب الإرجاء، قالوا: والإرجاء هو التأخير، وهم يرون تأخير العمل عن الإيمان، وبناءً عليه يقولون: إن العمل غير داخل في الإيمان أصلاً، والنتيجة: أن شارب الخمر والسارق والزاني إيمانه كإيمان أبي بكر وعمر لا فرق بينهما، ولا شك أن هذا القول باطل، وعلى النقيض جاءت طائفة الخوارج وقالت: إن شارب الخمر خارج عن الإسلام.
فقيض الله أن يرد بعضهم على بعض، وكانت هذه الردود سبباً لنشوء طوائف من البدع لم تكن موجودة من قبل، وهذا يدل على أن رد البدعة ببدعة أخرى، ومناقشة أهل البدع للمبتدعة يخرج لنا شيئاً جديداً أدى إلى افتراق الأمة، وعدم وجودها على ما كان عليه سلف الأمة.
وذكروا منها: المؤثرات الأجنبية، ويقصد بها قوم كانوا على الانحراف وعلى الإلحاد والكفر، دخلوا في الإسلام سراً وقلوبهم منطوية على الخبث والكيد للإسلام وأهله، وحملوا معهم عقائدهم وأصولهم التي عندهم، ومنهم من بقيت عنده رواسب، وكان نتيجتها أن عرضوا نصوص الكتاب والسنة على الرصيد الذي عندهم فخرجوا برأي جديد لم يكن عليه سلف الأمة رحمهم الله تعالى ورضي عنهم، كـ عبد الله بن سبأ وغيره، الذي كان سبباً في وجود كثير من الطوائف، وبث كثيراً من الشبه، وبيان شيء من الانحراف.
وكـ معبد الجهني الذي أسس مذهب القدرية، وكان رجلاً نصرانياً، أخذ مقالته عن رجل من النصارى اسمه: سنسوية، وتلقاها عنه معبد الجهني وبدأ ينشرها، والجهمية كذلك كان لهم أثر، وسيأتي -إن شاء الله- تعريف يسير لبعض طوائف المبتدعة كـ الجعد بن درهم، وكـ الجهم بن صفوان، وكـ واصل بن عطاء، هؤلاء أئمة ضلال، تجدها تمر كثيراً في كتب السلف، ويناقشونهم، وكذلك بشر المريسي، وعمرو بن عبيد، وبيان بن سمعان وغيرهم من أئمة الانحراف، لابد أن نأخذ شيئاً من تراجمهم وإن كانت يسيرة.