[أنواع الإرادة]
ذكر العلماء أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: ١- إرادة كونية قدرية.
٢- إرادة دينية شرعية.
أما الإرادة الكونية القدرية فتتعلق بكل شيء في هذا الكون، وما من حركة ولا سكنة ولا فعل ولا عمل ولا إمراض ولا حياة ولا موت ولا غيره إلا داخل تحت الإرادة الكونية القدرية التي يجب علينا أن نؤمن بها، وقد دل عليها قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:١٣] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] ويشهد لها قول الله تعالى كذلك: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] دل على أنه لا يخرج من الكون شيء أبداً عن مشيئة الله تعالى.
وهذه نسميها الإرادة الكونية القدرية، ويدخل فيها المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ولا يخرج أحد منها إطلاقاً.
وأما الإرادة الدينية الشرعية فهي المتضمنة لمحبة الله ورضاه، وهذه تتعلق بشرعه ودينه، مثل: الصلاة والزكاة والعبادات والتوحيد وغيره، نقول: هذه الله يريدها من العباد ديناً وشرعاً، ويستدل العلماء لها بقوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥] {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) هذه كلها مما يكرهها الرب سبحانه وتعالى.
ما هو الفرق بين الإرادتين؟ يفرق العلماء بين الإرادتين فيقولون: إن الإرادة الكونية القدرية تتميز: أولاً: أنها شاملة للكون كله، فلا يخرج شيء من الكون عنها.
ثانياً: لا يلزم أن يحبها الله ويرضاها، فقد يحبها الله ويرضاها وقد لا يحبها الله ولا يرضاها، وهذه الإرادة نسميها: الكونية القدرية.
ثالثاً: الإرادة الكونية القدرية تتحقق في الكافر وفي المؤمن.
أما الدينية الشرعية فهي تتميز: أولاً: أن الله يحبها ويرضاها.
ثانياً: لا يلزم وقوعها.
ثالثاً: أنها لا تتحقق -أي: الدينية الشرعية- إلا في المؤمن المستقيم، أما الكافر فلا تتحقق فيه الإرادة الدينية الشرعية.
مثال ذلك: إذا أراد الله سبحانه وتعالى إنزال المطر كوناً وقدراً لا بد أن يقع، لكن الإرادة الكونية الشرعية لو سئلنا جميعاً: أليس الله يريد من العباد أن يصلوا؟ هذه إرادة شرعية دينية يريدها منهم، لكن هل يلزم منهم أن يصلوا؟ لا يلزم، منهم من يصلي ومنهم من لا يصلي، والله أمرنا بالاستقامة على دينة، فهل يلزم كل الناس أن يستقيموا؟ لا، منهم من استقام ومنهم بقي على انحرافه، فلا يلزم وقوعها.
الإرادة الكونية القدرية لا يلزم أن الله يحبها ويرضها، فإن الله أراد كوناً وقدراً أن يقع الكفر، وتقع المعاصي، هل يلزم أن الله يحبها؟ لا، لكن إرادته الدينية الشرعية: الصلاة، الصيام، الاستقامة وغيرها يحبها الله ويرضاها من عباده، ولهذا قال الله تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧] {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥] .
ولهذا نجد أن بعض الطوائف غلت في هذا الباب، فنجد طائفة الجبرية أخذت بالإرادة الكونية القدرية فقط، وبهذا انحرفت ونسيت الإرادة الدينية الشرعية، وطائفة المعتزلة أخذت بالإرادة الدينية الشرعية، ونسيت الإرادة الكونية القدرية، وضلت هذه الطائفة، وكلتا الطائفتين على انحراف وضلال، لكن أهل السنة والجماعة جاءوا بالإرادتين جميعاً فآمنوا بهما، ووفقوا بينهما، وكانوا أسعد الطوائف في باب القضاء والقدر، ولهذا كانوا من أصلح الناس في هذا الأمر.
نقول للأحبة: أفعال العباد لا تخرج عن خلق الله تعالى، وهي داخلة في إرادة الله ومشيئته، ولا يخرج شيء من الناس إطلاقاً بفعله أو عمله عن هذه الإرادة أبداً، ويدل عليها من ناحية العقل ومن ناحية الشرع: أما ناحية الشرع: فجميع الآيات الواردة في الإرادة الكونية القدرية.
وأما ناحية العقل: فنجد أن الكون ملك لله تعالى ولا يخرج شيء عن ملكه، فهل يقع في ملكه ما لا يريده ولا يحبه؟ بالنسبة لما لا يحبه قد يقع في مسألة الكفر، لكن ما لا يريده أبداً، الله هو المالك والمتصرف بهذا الكون سبحانه، ولا يقع فيه إلا ما أراده سبحانه وتعالى، سواء كانت أفعال العباد كلها اختيارية أو كانت أفعالاً نسميها جبرية جبل الإنسان عليها.