ننتقل إلى من يحتجون بالمعاصي، أول رد عليهم: أن الله سبحانه وتعالى أضاف العمل للعبد، وإضافة العمل للعبد وجعْلُه كسباً له يدل على أنه هو المعاقب عليه، ولهذا قال:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[غافر:١٧]{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل:٣٢]{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:٦١]{فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦] حثك بأن تعمل وتجتهد في هذا الأمر.
الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه الله فوق طاقته، الصلاة فوق الطاقة، الصيام فوق الطاقة، الزكاة فوق الطاقة؟ أبداً، كلها في قدرة الإنسان، ولذلك إذا كلفك الله ما تطيق تستحق أن تحاسب على الخير وتحاسب على الشر، ولهذا قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦] ونقصد أن الإنسان مكلف على قدر طاقته، أي أنه ليس مجبوراً على أي عمل يعمله، لا صلاة ولا صيام ولا غيره، والدليل على ذلك: أيام الإجازات أناس ينطلقون لطاعة الله، وأناس ينطلقون إلى المعاصي، وكل واحد منهم مختار لهذا الأمر، ولكن شتان بين مشرق ومغرب! الأمر الثالث: أن كل واحد منا يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الجبري، فالفعل الاختياري يستطيع الإنسان أن يتخلص منه، وأما الفعلي الجبري فلا يستطيع الإنسان التخلص منه، هل يستطيع واحد منا أن يوقف كبده أو تنفسه؟ لا يستطيع، لكن الفعل الاختياري: تمشي إلى حلقة مسجد، أو حلقة علم، أو إلى زيارة إخوانك في الله إلى غير ذلك، أما الأمر المجبور عليه الإنسان فلا تستطيع.
ولذلك فالأمر الجبري لا مجال للحساب ولا للعقاب عليه أبداً، وحق الإثابة ليس عليه شيء كأن يكون طويلاً جداً، فيعطى أجوراً أكثر والقصير لا يعطى، ليس له علاقة، لون الإنسان موطنه سكنه ليس لها ارتباط.
الأمر الرابع: أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قدر الله له، إنسان انطلق ليزني، قلنا له: إلى أين؟ قال: أنا أريد أن أنظر القضاء والقدر إلى ماذا ينتهي بي، إلى أين؟ بدأ بنظرة، ثم انطلق إلى مكان المعصية، ينتظر القضاء والقدر! من أعلمك بما قضاه الله وقدره عليك؟ لكن الله أمرك أن تبتعد عن المعصية، ولذلك نقول له: اتق الله فلا تفعل هذا الأمر، حتى يكون رادعاً له به، ولهذا حري بالمسلم أن يسلك الطريق الصحيح، ويقول بعد ذلك: هذا ما قُدِّر لي.
الأمر الخامس: أن الله أرسل الرسل لقطع الحجة على العباد: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥] ولو كان القدر حجة للعاصي ما انقطعت الحجة بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولهذا فإننا نقول لمن يحتج بالقضاء والقدر على عدم الحاجة للعمل: إنه لا ينبغي أبداً أن نحتج بالقضاء والقدر فنكسل عن العمل سواء في طاعة الله أو في الأعمال الدنيوية، بل الواجب علينا أن نعمل، قال الله تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التوبة:١٠٥] كله أمر بالعمل والاجتهاد فيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اعملوا فكل ميسر لما خلق له) كل هذا أمر لنا بأن نسير بالتسليم لقضاء الله وقدره والعمل بطاعة الله.