يُصعق الناس ثم يموتون ثم تأتي قضية البعث، وينزل الله مطراً من السماء، ورد في بعض الآثار أنه كمني الرجال، ونحن نعلم أن الإنسان يبلى كله إلا عجب الذنب، وهو ما نسميه (العصعص) وهو آخر خرزة في مقعدة الإنسان وفي دبره، وهو شيء صغير، قال: فينبتون كما ينبت البقل، ويخرج الناس ويعرضون على الله تعالى، يبدءون بعثاً جديداً، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يحشرون حفاة عراة غرلاً بهماً، يصبح الإنسان عارياً وغرلاً وبهماً، وبينت عائشة فقالت:(يا رسول الله، الرجال والنساء سواء؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأمر أعظم من ذلك) يشغلهم أن تنظر المرأة إلى الرجل أو ينظر الرجل إلى المرأة؛ لأن الأمر مفزع، وأمر عظيم.
وأول من تنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه قال:(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع) صلى الله عليه وسلم، ويحشر الخلائق يوم القيامة ليوم الجمع، ويصبحون جميعاً على أرضٍ غير هذه الأرض؛ لأنها تبدل، فيحشرون على أرض بيضاء كالفضة لم يعص الله عليها أبداً.
اختلف العلماء هل تحشر البهائم مع الناس أم لا؟ وأصح الأقوال أنهم يحشرون جميعاً الرجال والنساء وكذلك المسلم والكافر، والبهائم وغيرها، ويكون أول من يكسى هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم) وورد أنه يكسى بكسوة من الجنة، وذلك يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات.
لقد كذَّب الكفار من الناس -والعياذ بالله- بقضية البعث، وكان هذا التكذيب من قديم وليس حديثاً، وقد بين الله في كتابه فقال:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}[التغابن:٧]{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس:٧٨-٧٩] فلا شك أنه هو المحيي لها، فالذي أنشأها أول مرة وخلقها هو القادر على أن يحيها مرة أخرى ويعيدها فيما بعد.
وهناك مباحث كثيرة في قضية الأدلة على البعث والأدلة على ذلك اليوم، والواجب على المسلم أن يستعد، قالوا: إن هذا الكون يتغير تغيراً كلياً، وقد ورد في الآثار: من أراد أن ينظر إلى القيامة رأي العين فلينظر في سورة التكوير: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}[التكوير:١]{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار:١] تجد تغيراً للكون كاملاً، السماوات والأرضون وغيرها تبدل، والجبال والأنهار والبحار تسجر ولعلها تأتي من علامات الساعة الكبرى، وإن كانت العلامات الصغرى هي إيماء لها، ولسنا بصدد الكلام على علامات الساعة.
والناس ينقسمون على حسب دياناتهم، وعلى حسب معتقدهم، ويحشر الناس على اختلافهم، فهؤلاء أهل التوحيد مع بعض، وكل يتبع إلهه الذي يعبده، فهؤلاء يعبدون المسيح، وهؤلاء يعبدون عزيراً، وهؤلاء يعبدون كذا، كل يتبع معبوده، ويبقى أهل الإيمان العابدون لله تعالى هم الذين لهم المنازل العليا يوم القيامة.