للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سماع عذاب القبر للأحياء]

ذكرنا أن عذاب القبر ربما أن الناس قد يسمعون شيئاً من أصوات الموتى، ومنهم: النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم صاحبا القبرين، وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) صاحب النميمة، وصاحب عدم الاستنزاه من البول.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على بغلة له، وجالت به صلى الله عليه وسلم، ثم سأل عن هذه القبور، وإذا هي ستة أو أربعة على خلاف في عددها، وكانت قبوراً للمشركين، فجالت بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كاد أن يسقط صلى الله عليه وسلم، بسبب أن هذه البغلة سمعت صوت الذين يعذبون.

ومر النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وكانت معه دابته فتحركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن يهود تعذب في قبرها) فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع شيئاً، وهذا يعتبر من أمر الغيب.

مسألة: هل يمكن لآحاد الناس أن يسمع عذاب القبر؟ الجواب: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يمكن أن يسمع، وقد يكون السماع شيئاً حقيقياً، وقد يكون رؤىً يراها الإنسان، ونعلم أن الرؤى جزء من النبوة، فقد يرى الإنسان والده في هيئة سيئة، يراه بأنه يقول مثلاً: عندي أموال ردوها لأصحابها فلان قد كان كذا.

أي: يستوحي الناس منها أن أباهم أو غيره من الميتين ربما يصاب بسوء، أو ربما ينعم بسبب شيء قدمه في الدنيا، فعند ذلك تكون سبباً لإبعاد هذه العقوبة، أو لزيادة النعيم الذي يحدث لهم.

ولذلك تجد أن الذين يفسرون الرؤى تفسيراً، قد يمكن أن تخبره بخبر، فيقول: والدك ربما يحدث له كذا، أو ربما والدك مسرور لعمل عملته، أو ربما لشيء يحدث، ولعل مما يحدث في مسألة الرؤى بعض المفسرين يفسرون الرؤى: أن الإنسان إذا رأى ميتاً له -وإن كنت لست مفسراً للرؤى أصلاً- ودعاه أن هذا ربما يكون نذيراً لقرب أجله، أو لموت عزيز عندهم، وهذا ليس على إطلاقه.

وأذكر من اللطائف: ذات مرة صليت في جامع الرياض قديماً، وكان سماحة شيخنا غائباً، فجاء رجل من البادية وسألني عن رؤيا؟ فقلت له: أنا لا أفسر الرؤى، قال: كنت في برية، وكان هناك باب، ثم فتح وخرج علي والدي، وقد يكون هذا علامة موتي، فهل ترى أن أتصدق أم أبذل شيئاً لهذا الميت وغيره؟ فمر علي أحد الأحبة فتبسمت في وجهه، ثم قلت له: حقيقة لا أفسر الرؤى، لكن لو عملت خيراً لوالدك الميت كان طيباً، ففي آخر الأمر، قال: لا، أنت تعلم بأني سأموت، ولم ترد أن تفسر لي الرؤيا، قلت له: أنا لا أدري عن الرؤى أبداً، قال: إنك ما ضحكت إلا لأني سأموت، فتورطت ماذا أعمل به؟ ولست ممن يفسر الرؤى أصلاً، وإن كنا قد بينا منهج الرؤيا إن كانت حسنة وإن كان سيئة، لكن أقول: إن الرؤى قد يحدث بها نوع خير للإنسان، مما يوقظ الله به قلب الإنسان، ومما يكون سبباً لصلاحه واستقامته على دين الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>