القول الثاني: وهو مذهب الفلاسفة، ولعلنا نومئ إليه نظراً لأنه يوجد من تأثر بـ ابن سينا والفارابي والطوسي وغيرهم، هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الكلام هو فيض فاض على العقل الفعال وعلى نفس فاضلة زكية، وهذا مبني على قولهم الباطل، وهو: إن الإنسان يمكن أن يخرج قرآناً، وأن يكون نبياً، ولذلك يقول الفلاسفة: إن النبوة مكتسبة، يمكن أن يكتسبها كل أحد، لكن بشروط: ١- قوة التأثير.
٢- قوة التصور والتخيل.
٣- قوة التعبير، فإذا وجدت هذه يمكن أن يكون الإنسان نبياً، وأن يخرج للناس قرآناً أياً كان هذا الشخص، بشرط أن توجد فيه هذه الشروط وهذا الكلام لا شك في بطلانه، بل هذا هو عين الكفر، إذ أنه كيف يمكن أن تكون النبوة مكتسبة، وبناءً عليه يقولون: إن قضية الأنبياء والرسل والملائكة وغيرهم هذه تخيلات يتخيلها النبي فقط، ولا يوجد ملك يكلمه، أو يوجد كلام صدر إليه، وإنما هو من عقله الفعال.
ومن الأمثلة على قضية التأثير العقلي الفعال: أنك قد تسير في الطريق بسيارتك، وتنظر إلى أمامك وإذا بشخص يحرك يديه ويتكلم، تمر ولا أحد عنده يتكلم معه، وعنده مشكلة معينة أو موقف معين، فيفرغ ما في نفسه بالكلام وبالصوت، ويحرك يديه تحريكاً عنيفاً، ويتحدث، وتشعر أنه تكلم، وهو الآن ليس عنده أحد، لكن أصبح عقله يتفاعل مع الحدث الذي حدث، فهم يقولون: محمد عنده هذا التصور وأخرج للناس قرآناً، ويمكن أن يكون لكل أحد، ولا شك أن هذا هو الكفر وهذا باطل.