[تميز منهج السلف عن غيره في تقرير العقيدة]
يتميز سلف الأمة بمنهج فريد على سائر الطوائف كلها، ونجد أن هناك مناهج عديدة فللمعتزلة مناهج، وللخوارج مناهج، ولكل طائفة منحرفة منهج في تقرير مسائل اعتقادها.
أول ما يتميز به منهج سلف الأمة في تقرير العقيدة: تحكيم الكتاب والسنة في كل قضية من قضايا الاعتقاد، وعدم رد شيء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] وجعل الله الكتاب والسنة باقيين إلى قيام الساعة يستفيد الناس منهما في مسائل النزاع والاختلاف، وبينه الله سبحانه وتعالى: (ولو ردوه إلى الله والرسول) جاء الأمر بالرد إلى الله والرسول في مسائل الاختلاف.
ومنها: الأخذ بما ورد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل العقيدة، بل في المسائل كلها في الفروع وفي مسائل الأصول، أي: في أصول الإيمان، وفي مسائل التشريع التي وردت من صلاة وزكاة وغيرها.
منها كذلك: عدم الخوض في مسائل الاعتقاد مما ليس للعقل فيه مجال، وهي فيما يتعلق بالمسائل الغيبية، فإن العقل له حدود معينة، ومن منهجهم رحمهم الله ورضي عنهم أنهم لا يقحمون العقل فيما لا يقدر عليه أبداً، ولا يجعلون العقل يتجاوز الحدود التي جعلها الله له، فلا يجاوزون الحد الذي حده الله لهم، ولذلك انضبطت عقولهم، وانضبطت قلوبهم وجوارحهم، فلم يوجد عندهم شيء من الانحراف.
ومنها كذلك: عدم مجادلة أهل البدع، ويقصد بالمجادلة لأهل البدع في الحدود التي لا يستفاد منها، وليس المعنى: ألا يرد على المبتدعة، وألا يبين بطلانهم، فلقد وقف أئمة أهل السنة رحمهم الله تعالى في وجوه المبتدعة، وألقموهم الحجر، فشيخ الإسلام ابن تيمية كم له من الصولات والجولات، وقبله الإمام أحمد رحمه الله، وكثير من أئمة أهل السنة وقفوا في وجوه المبتدعة مبينين بطلان ما هم عليه، وانحرافهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويقصد بالمجادلة: تلك المجادلات التي تعقد في المجالس العامة، والمناظرات التي يجلس فيها الصغير والكبير، ويسمع لها الذكر والأنثى والعالم وغير العالم، فتلك مجادلات ربما يكون فيها نوع من الخطر، ولقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقيل له: ألا تناظر المعتزلة؟ وكان المعتزلة لهم صولات وجولات في عهد الإمام أحمد رحمه الله، وكانت لهم الصدارة في تعليم الناس، وفي الإفتاء، وفي تدريس الناس وغير ذلك، وكانوا يعقدون المناظرات أمام الناس في المساجد وغيرها، ولما قيل للإمام أحمد: ألا تناظرهم؟ قال: "ليس من نقص في قضية المناظرة والمجادلة، وإنما أخشى أن أرد رداً فلا يفهمه بعض الحاضرين فيكون لبعضهم فتنة" أي: أنه يُوجِدُ في قلبه نوعاً من الشكوك، وإلا فإن أئمة أهل السنة قد ألفوا الكتب، وقد ناظروا هؤلاء المبتدعة، وبينوا عوارهم وفضحوهم.
ومنها كذلك: عدم مجالسة المبتدعة، ويقصد بالمجالسة: تلك المجالس التي يُطمئن إليها، بل الواجب أن يكون الإنسان بعيداً عن هؤلاء المبتدعة مخافة أن يتأثر بهم، وكم من الناس من تأثر بمجالستهم للمبتدعة، بل أعظم ما يكون من ذلك: ضعف قضية الولاء والبراء في النفوس، مما يؤدي إلى محبة المبتدعة والأنس بهم، والبشاشة في وجوههم، وعند ذلك يضعف في نفسه النصح لهم، ودلالتهم إلى الحق ومناظرتهم، وبيان الحق الذي قد تمسك به، ولقد كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينهى عن حضور مجالس الحارث المحاسبي وغيره؛ نظراً لأن لديه شيئاً من مذهب الكلابية، وكان السلف يمنعون من حضور مجالس المبتدعة، مخافة أن يتأثر الناس بفكرهم.
كذلك من منهج أهل السنة في تقرير العقيدة: الحرص على جماعة المسلمين ووحدتهم، ولعل ذلك يدل على أن الشيطان إلى الواحد أقرب، لكن من كان مع جماعة المسلمين من علماء الأمة وكبارهم وموجهيهم، ومن المنقادين للحق من العلماء والدعاة وغيرهم كان على الحق، خاصة إذا كان منهج هؤلاء هو الحرص على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا فيما يتعلق بقول شيخ الإسلام:
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي