أود أن أعرج على مبحث البدع وما ورد من الذم لها، وقد ورد عندنا الذم لقضية البدع: يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على هذه الأمة نعماً عظيمة، ومن أعظم نعمه التي أنعم الله عليها هي كمال الدين، وأن الله أكمل دينه وأتمه، وقصدنا بقضية كمال الدين أن نقطع على عقول المبتدعة أن يزيدوا لنا شيئاً أو ينقصوا منه شيئاً، من نقص في دين الله تعالى شيئاً فقد ابتدع، ومن جاء بشيء جديد فقد ابتدع، وكم هي طوائف المبتدعة كثيرة جداً، فمنها ما يتعلق بالبدع بدع تتعلق بالاعتقاد: كبدع الخوارج، والمعتزلة، والجهمية، والرافضة وغيرها، وبدع تتعلق بالأحكام: كبدع الصوفية وإن كان عندهم بدع كذلك في الاعتقاد بإتيانهم بأوراد وعبادات وصلوات وأعمال لا رصيد لها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول ابن عباس رضي الله عنه عند هذه الآية:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}[المائدة:٣] مفسراً لها: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كذلك أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله تعالى فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً، ثم بين الله لنا الأمر باتباع ما جاءت به الرسل في غير ما آية، ففي آدم عليه الصلاة والسلام:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}[طه:١٢٣] كذلك قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الأعراف:٣]{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر:٥٥]{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧] إلى غير ذلك من الآيات الآمرة به.
وكذلك هناك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تأمرنا بقضية الاتباع، والسير على ذلك، وقد ورد في صحيح مسلم من حديث جابر في حجة النبي صلى الله عليه وسلم:(تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله) دل على أن من تمسك بالكتاب والسنة فلن يضل أبداً، وقد روى مسلم كذلك من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته:(أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) .
وكذلك لما أمرنا باتباع السنة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) إلى غير ذلك من الأحاديث.
من أنصح الخلق للناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبرهم بأمته، وأعلمهم بما يصلحهم، أمرنا بقضية الاتباع، وحذرنا من قضية الابتداع.
رويت عن الصحابة رضي الله عنهم وعن التابعين آثار كثيرة جداً تأمرنا بقضية الاتباع في مسائل الاعتقاد وفي مسائل الأحكام، ليس بعضها دون بعض، فمنها: قول معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قام بـ الشام فقال: [أيها الناس! عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ألا وإن رفعه ذهاب أهله، وإياكم والبدع، والتبدع والتنطع، وعليكم بأمركم العتيق] أي: ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم لا تأتوا بشيء جديد.
ومنها كذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه:[عليكم بالطريق فلئن لزمتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن خالفتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً] ثم يقول أبو الدرداء: [لن تضل ما أخذت بالأثر] أي: ما جاءك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:[عليك بتقوى الله والاستقامة واتبع ولا تبتدع] كما قالها ابن عباس رضي الله عنهما لرجل إلى غير ذلك من الآثار.