من الشبه التي وردت وهي شبه نفاة العلو، ما الذي جعل بعض الطوائف تنفي النزول وتقول: لا نقبل أن الرب سبحانه وتعالى ينزل، ورد عندهم بعض الشبه، قالوا: إذا أثبتنا نزوله أين يكون في صفة العلو إذاً؟ الشبهة الثانية: قالوا: إذا نزل أين الآيات التي وردت في الاستواء على العرش؟ كيف ينزل ثم بعد ذلك فأين الاستواء على العرش؟ الشبهة الثالثة: قالوا: إننا إذا أثبتنا نزول الرب سبحانه وتعالى يلزم منه الحركة والانتقال، قالوا: والحركة والانتقال هي من طبيعة الأجسام والله ليس بجسم، إذاً: الله لا يتحرك ولا ينتقل.
والشبة الرابعة: قالوا: إننا إذا أثبتنا النزول يلزم منها حلول الحوادث بالله سبحانه وتعالى، بمعنى: أنه يحدث له شيء لم يكن حادثاً له من قبل، وبناءً عليه قالوا: ننفي صفة النزول عن الله تعالى كما ينفون صفة الاستواء على العرش، بل إن هذا القول وهذه الشبه كلها تلزم على صفات الأفعال كلها، فإن نفاة صفات الأفعال المتعلقة بالإرادة والمشيئة شبهتهم أنه يلزم منها حلول الحوادث بالرب سبحانه وتعالى، وقالوا: إن صفة الفعل تؤدي إلى أن يكون الله جسماً، والله ليس بجسم، إذاً: ننفي عنه صفات الأفعال كلها.
ولكن هذه الشبة باطلة لا شك فيها.
ولعل مما يتميز به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يجادلون في آيات الله تعالى، ولا يمرونها على العقل أبداً، ولهذا قال المؤلف في النزول:(بلا كيف) بمعنى: أنه لا يكيف الرب سبحانه وتعالى، وقاعدة الصحابة رضي الله عنهم في أي صفة وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي التسليم لله ولرسوله، ولا يجرون فيها الاحتمالات، والذين جاءوا بالاحتمالات الأربعة أمروها على العقل ثم أوردوا الاحتمالات، أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يأتون بمجرد احتمال عقلي، كيف ينزل وعنده صفة العلو؟ كيف ينزل وهو مستوٍ على عرشه؟ كيف كذا؟ لا يوردون هذه أبداً، بل عندهم يقولون: سمعنا وأطعنا وآمنا وصدقنا وقبلنا، وسلمنا لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا وجب علينا أن نؤمن بصفة النزول؛ نظراً للنصوص الواردة الصحيحة الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عندنا شبهة ترد في الذهن، وهي أننا نعلم أن الأرض كروية، وقد أثبت هذه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ومسألة كروية الأرض إذا نظرنا الآن الشمس تشرق عندنا، ولو اتصلت على رجل مثلاً في أمريكا ستجد الوقت عنده الآن ليلاً، قالوا: فإذا أصبحت الآن الكرة الأرضية تمشي، فإذا قلنا: ينزل في ثلث الليل الآخر، ثلث الليل عندنا في المملكة معروف، إذا جاء ثلث الليل الآخر في أمريكا أو أوروبا تجد أن جل الوقت يصبح ثلث الليل الآخر، إذاً: يلزم منه مباشرة أن يصبح الرب دائماً نازلاً، هذه شبهة ترد في الذهن، ولكن هذه الشبهة في أصلها باطلة، ما هو سبب بطلانها؟ الجواب: إذا بطلت الشبهة لم نحتج إلى كثير من الرد، والسبب: ما وجد عند الإنسان إشكال في هذا الأمر إلا لأنه شبه الخالق بالمخلوق، ثم نقل هذا التشبيه إلى الخالق، أي: عرف ما للمخلوق ثم نقله إلى الخالق وعند ذلك استبعد هذا الأمر، وإذا قلنا: الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنه ينزل، ولهذا سيأتينا بعض القصص عن بعض السلف يقولون في مسألة النزول وغيره أول ما يقولون: أثبت أولاً أنه ينزل، مثلاً في المملكة ثلث الليل الآخر أثبت أنه ينزل، وإذا كان ثلث الليل الآخر في أمريكا أثبت أنه ينزل، فإذا أثبت ذلك قلنا: إذاً: ليس هناك إشكال، لا حاجة لأن تقول: كيف ينزل هنا وكيف ينزل هناك؟ أنت أثبت ما دل عليه النص، وإذا دل النص على شيء وجب علينا إثباته والتسليم له، وعدم طروق الذهن له بشيء من التأويل أو التحريف أو التغيير لما دل عليه إطلاقاً، ولذلك وجب علينا الإيمان بكل نص وارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال أهل السنة لمن أورد هذه الشبهة: أنت آمن أولاً بأن الله ينزل في هذا الوقت المعين، وإذا آمنت ليس عليك شيء من وراء ذلك، أي: لست مطالباً كيف ينزل في كذا أو كيف ينزل في كذا؟ أنت مطالب أن تؤمن بأنه ينزل في ثلث الليل الآخر في أمريكا وينزل في ثلث الليل الآخر في المملكة وفي غيرها من البقاع التي سبحانه وتعالى يقول فيها:(هل من داع؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟) ووجب علينا إثبات هذه لله كما يليق بجلاله وعظمته.