[منزلة آل البيت عند أهل السنة]
عندنا في قول الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣] وهناك آثار في بيان منازل هؤلاء الصحابة، ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية أثراً عن السدي، عن أبي الديلم، قال: لما جيء بـ علي بن الحسين رضي الله عنه أسيراً -ولعله بعد مقتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه- فأقيم على درج دمشق، فقام رجل من أهل الشام من أعداء آل البيت فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم.
قال: أقرأت الـ (حم) ، يعني: السور المبدوءة بـ (حم) ؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ هذه.
قال: أما قرأت قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣] .
قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال علي بن الحسين: نعم، إننا لنحن الذين أمر الله بأن يحسن إليهم: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣] كأنه يبين منزلته رضي الله عنه وما يجب في حق آل بيته رضي الله عنهم.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ولا ننكر الوصاية بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، ولا شك في ذلك أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف بيت وجد على وجه الأرض.
فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة، كما كان عليه سلفهم كـ العباس وبنيه، وعلي وذريته رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد وردت الوصايا بهم في حديث غدير خم، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته في غدير خم قال: (إني تارك فيكم ثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وكذلك روى الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه من حديث عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب، قال: (قلت: يا رسول الله! إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً، لقوهم ببشر -أو بوجه حسن- وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها -كأنه لا تنشرح صدورهم لجلوسهم- فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل إيمان حتى يحبكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم) .
ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: [ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في آل بيته] وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لـ علي: [والله لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي أنا] .
ونجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه تطبيقاً حياً لـ (ومودة القربى بها أتوسل) أنه لما أسلم العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر بن الخطاب: [والله لإسلامك اليوم هذا أحب إلي من إسلام الخطاب] وهو والده رضي الله عنه وأرضاه، ولما سئل عن السبب في ذلك قال: [لأن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام أبي] فقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة نفسه، وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من معرفة قدر آل محمد، ومن مودة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك قال ابن كثير: فحال الشيخين رضي الله عنهما هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك، ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين رضي الله عنهم وعن سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.