من الأسباب كذلك: تحكيم العقل في القضايا الشرعية، وخاصة في الأمور الغيبية التي لا يمكن أبداً أن يكون للعقل فيها مجال، ولعلي أضرب مثالاً على ذلك: المبتدعة يؤسسون أدلة عقلية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن أهل الكلام والنظر جاءوا بأدلة عقلية ليست إلا جهليات وليست يقينيات، ثم قال تقعيداً: ما من دليلٍ عند أهل الكلام والنظر دل العقل عليه إلا وجد في كتاب الله ما هو أعظم دلالة منه وأحسن منه، ولا حاجة إلى زبالة عقولهم وما كانوا عليه، ومن الأمثلة على ذلك أن عندهم تقعيداً يبنونه بمقدمتين ونتيجة أو أكثر.
المقدمة الأولى: الصفات لا تقوم إلا بأجسام.
المقدمة الثانية: الأجسام متماثلة.
النتيجة: الله ليس بجسم.
مادامت الأجسام متماثلة والله ليس بجسم.
النتيجة: الله ليس له صفات أبداً، لكن {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١]{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[إبراهيم:٤]{يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] إلى غيره؟ يقولون: لا نثبتها لله أبداً.
ونقول: سبحان الله! من أين جاءنا هذا الدليل؟ أله رصيد من كتاب وسنة؟ لا.
أله رصيد من كلام الصحابة والسلف؟ لا.
فبناءً عليه هذا الدليل العقلي باطل، وما في الكتاب والسنة هو الأصل الذي يجب أن نعمله، ومن هنا جعلوا لهم مقدمات عقلية، وهي ليست إلا جهليات، وحكموها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.