الناس الآن في مرورهم يمرون على اختلافهم، فمن الناس من يمر كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كأجاود الخيل، ومنهم كأجاود البهائم، ومنهم من يمر كأسرع الناس مشياً، ومنهم من يحبو حبواً على اختلافهم، ويقولون: إن دعوى الملائكة عند مرور العباد: اللهم سلم سلم، قالوا: وكذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون: اللهم سلم سلم، يسألون أن يسلم هؤلاء الذين يمرون، لما يرون من تخطف الكلاليب للناس وهم في حال مرورهم، الإنسان يمشي والكلاليب تختطف الناس وترميهم في النار نعوذ بالله من النار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر آخر أهل النار مروراً، ويصبح الناس مرورهم معهم من النور بمقدار ما عملوا في هذه الحياة الدنيا، بقدر ما عملت يعطيك الله نوراً، فمن الناس من نوره كالشمس، وقد روي في بعض الآثار أن من الناس من تقول له النار:[يا مسلم جز فإن نورك قد أطفأ لهبي]] ومن الناس كالقمر، ومن الناس كأضوأ كوكب دري، ومن الناس من يحمل نوره معه، ومن الناس وهم آخر أهل الجنة دخولاً من يكون النور في إبهام قدمه فقط.
ونحن نعلم أن النار سوداء مظلمة، وإذا كانت سوداء وعندنا كذلك دحض ومزلة وأدق من الشعر تحتاج إلى إضاءة كبيرة جداً حتى تمر، فكيف إذا كان الإنسان يمر بنور في إبهام قدمه، ويمشي هذا الرجل الذي هو آخر الناس يمشي على هذا الصراط، وسبحان الله! لا يمشي قليلاً إلا ويسقط، ويتعلق بيده، ثم بعد ذلك يصعد، ومع مشيه المتأخر يمشي قليلاً قليلاً والنار تلفحه يمنة ويسرة، وكلما مشى قليلاً سقط وتعلق باليد الثانية ثم برجله ثم بيده وهكذا، وهو يسأل ربه أن ينجيه من النار، قالوا: حتى إذا انتهى وأنجاه الله التفت إلى النار وقال: الحمد لله الذي نجاني منك، يحمد الله على هذه النعمة.
ونحن نعلم من وصلت إليه النار يحتاج إلى أمرين: ١- ظل وارف يبرد على جسده من الحرارة التي أثرت عليه.
٢- ماء يشرب ليبرد جوفه، قالوا: فيخلق الله له شجرة وتحتها ماء، وهو قد قال: اللهم نجني من النار، فينظر إلى الشجرة وإلى الماء، فيسأل ربه: اللهم أوصلني إلى هذه الشجرة ويدعوه، فيقول الله: ألم أنجك من النار، ألم يكن مطلوبك من قبل مجرد النجاة فنجوت؟ ويلح على ربه، فيوصله الله إلى هذه الشجرة، فيشرب من الماء ويستظل، قالوا: فيخلق الله شجرة أحسن منها، وماء أطيب، فينظر إليها فيقول: يا رب! أريد أن تنقلني، فيقول الله: ألم آخذ عليك المواثيق ألا تطلب غيرها، ما أغدرك يا ابن آدم، فينقله الله ويأخذ عليه المواثيق، ثم يخلق الله شجرة أحسن منها، ولعلها عند باب الجنة، ثم يسأل ربه ويلح ويعرف أنه عند باب الجنة، يسمع كلامهم وينظر إلى ما هم فيه من النعيم، ويسأل ربه ملحاً فينقله الله إلى تلك، ثم إذا وصل إليها وجلس قال: رب أدخلني الجنة.
الآن يطلب أن يدخل، وكان مطلوبه من قبل النجاة من النار، ولكنه يعلم أن له رباً يرحم عباده ولا يضيعهم سبحانه وتعالى، فيقول الله له: أترضى أن أعطيك مثل الدنيا ومثل ملكها؟ فيقول هذا المسكين: يا رب! أتسخر مني وأنت رب العالمين! فيضحك الجبار سبحانه وتعالى، فيقول: لك مثل الدنيا وعشر أمثالها.
إذا كان هذا آخر أهل الجنة دخولاً فكيف بمن كان مع النبيين والصديقين والشهداء؟!! مما يدل على فضل الله الواسع.
نحن في واقعنا الآن نقتتل من أجل قطعة صغيرة، من أجل جمع مال صغير وغيره، ويحصل من المشقات والتعب، وأقل أهل الجنة دخولاً وآخرهم هو من يعطى مثل الدنيا عشر مرات، وهذا من فضل الله الواسع الذي يعطيه الله من يشاء سبحانه وتعالى، ولهذا وجب على المسلم أن يحرص أشد الحرص على الأعمال الصالحة؛ ليجوز هذا الصراط.