أين توجد النار؟ اختلف العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: من العلماء من قال: إن النار في الأرض السفلى، ويفسره بعض المعاصرين الآن، ولعلكم إذ تسمعون بعض من يتكلمون عن طبقات الأرض، يقولون: إن تحت هذه الكرة الأرضية ناراً، ويقصدون به تأجج البراكين الآن، البراكين تصهر الحجارة كلها، وتصبح مصهورة، وقالوا: إنها تحت الأرض وهي التي أعدت.
القول الثاني: من العلماء من قال: إنها في السماء، واستدلوا لذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج رأى النار، وقالوا: إنها في السماء.
القول الثالث: من العلماء من توقف في ذلك، وقال: لم يرد لنا شيء واضح في هذا الأمر، ولكن الواجب علينا أن نؤمن بوجود النار وأن لها مكاناً، لكن أهي في الأرض أم في السماء الله أعلم بهذا، ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى التوقف فيها، وعدم الجزم بالمكان لعدم الوضوح فيها.
أما الجنة فالذي يظهر أنها في السماء، ويستدل لذلك وإن كان بعض أهل العلم توقف فيه، ولكن لا أدري ما السبب في التوقف؛ لأننا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنها أوسط الجنة وأعلاها، وسقفها عرش الرحمن) وعرش الرحمن في العلو في السماء، مما يدل على أن الجنة في السماء، أما النار فبعض العلماء توقف فيها ولم يجزم، وإن كان بعض المحققين يجزم بأنها في الأرض وليست في السماء.
هذه النار سعتها عظيمة -ونعوذ بالله أن نكون من أهلها- ويظهر لنا سعة هذه النار في أمور متعددة: أولاً: لكثرة عدد الداخلين فيها، فقد ثبت أن الله يقول لآدم:(أخرج بعثاً من ذريتك إلى النار، فيسأل ربه كيف؟ فيقول الله له: أخرج من الألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحداً إلى الجنة) فإذا كان من أبناء آدم تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، يدل على أن العدد كبير جداً، ومكانهم كبير.
ومنها كذلك: خلق أهل النار، فقد ثبت في صحيح مسلم أن (ضرس الكافر يوم القيامة في النار كمثل جبل أحد) كم له من الأسنان! وقالوا: وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، بل قالوا: إن غلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام، حجمه كبير جداً، والله سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، وذكر العلماء هنا تنبيهاً لطيفاً، قالوا: إن تضخيم جسم الكافر حتى يزداد في العقوبة ويزداد ألماً، وتشتد عليه عقوبة الله تعالى.
ومما يدل على ضخامتها وبعد قعرها: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وإذا بنا سمعنا وجبة -أي: صوتاً- فقال: أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار والآن وصل إلى قعرها) ونعوذ بالله من هذه.
ومما يدل على ضخامتها ما يثبته أهل السنة والجماعة وإن كان المبتدعة لا يثبتونه، ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تزال النار يلقى فيها، ويقال لها: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ قال: فيضع فيها الجبار قدمه فينزوي بعضها على بعض -أي: تنطوي- فتقول: قط قط) أي: بعزتك وكرمك، أي: حسبي حسبي، الآن امتلأت مما يدل على سعتها، وهي تقول: هل من مزيد هل من مزيد؟ ومما يدل على ضخامتها كذلك: كثرة الملائكة الذين يسوقون هذه النار، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود:(يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) أي: حتى يأتوا بها إلى الموقف، ونعوذ بالله أن نكون من أهل النار.