وذكر الإمام السفاريني في لوامع أنواره نقلاً عن تاريخ الصفدي رحمه الله: أن أول من بدأ بتعريب الكتب هو المأمون، قالوا: كان مولعاً بحب الكتب وبجمعها، فعربت الكتب اليونانية، ولما فتح الله تلك الديار كانت النتيجة أن حملوا كتبهم معهم مخافة أن يأخذها المسلمون، فأرادوا أن تبقى عندهم ليستفيدوا منها.
كتب المأمون بعد أن حملوها إلى ملك قبرص يطلب منه هذه الكتب، فجمع من حوله ممن يشار إليهم بالبنان يستشيرهم في هذا الأمر، أيرسل الكتب إليهم أم لا يرسلها؟ فجلهم قالوا: لا نرسل الكتب إليهم أبداً، فهي تراثنا، وحصيلة آبائنا وأجدادنا وعلمائنا لا يمكن أن نعطيهم -وهي ثروة ضخمة- إلا رجلاً منهم قال: إني أرى أن ترسلوا هذه الكتب إليهم.
قالوا: وما بالك؟ قال: إن هذه الكتب ما دخلت على أهل دين سماوي إلا أفسدت دينهم.
وعربت هذه الكتب، وقام المعتزلة بنصرها، ونشرها، وتدريس قواعدها، وتأصيلها، مما أدى إلى الانحراف العظيم.
وقالوا: إن أبا جعفر المنصور كذلك عرب بعض الكتب، وكان له أثر كبير في تعريب الحضارة الهندية، وغيره من الخلفاء الذين جمعوا هذه الكتب، فلما عربت -وجلها مبنية على العقل- كان لها أثر في انحراف الناس عن صراط الله المستقيم، ووجود الطوائف المنحرفة، وتشعبت تلك الفرق، فلم تكن المعتزلة فرقة واحدة، وإنما شملت معها عشرين فرقة، ولم تكن كذلك الخوارج فرقة، بل شملت معها أكثر من عشرين فرقة وهكذا تشعب الناس وتفرقوا أحزاباً بسبب هذه المؤثرات التي وجدت فيهم، وغيرها من هذه المؤثرات.