للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة وجود الجنة والنار الآن]

الجنة يجب أن نثبت أنها موجودة الآن، ووجودها الآن قد دل عليه الكتاب والسنة، واتفق أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة منذ القدم إلى قيام الساعة يثبتون وجودهما، ولا يقولون كما تقول المعتزلة، فإن المعتزلة تنفي وجود الجنة والنار الآن، ويقولون: إن الله ينشئها يوم القيامة، ولهم شبه باطلة في عدم إثباتهم للنار، ومن شبههم يقولون: إنها لو كانت مخلوقة الآن ولا ساكن لها، يكون وجودها عبثاً، والله منزه عن العبث، وهؤلاء مساكين قاسوا الله بخلقه فشبهوا أولاً، ثم عطلوا الرب سبحانه وتعالى عن هذه.

ومن شبهتهم كذلك قالوا: إنها لو كانت موجودة ومخلوقة الآن لوجب أن تفنى يوم القيامة، والله يقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:٢٦] ويقول: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] دل على أنها تهلك يوم القيامة، فما الفائدة من وجودها؟! وهؤلاء من أجهل الناس، ما عرفوا المقصود في هذه الآية، والله يبين أن كل شيء هالك، أي: يبين أنه مما أراد الله هلاكه، وإلا فإن العرش لا يهلك، ومنها الجنة، وبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن الجنة موجودة، والدليل على وجود الجنة أحاديث كثيرة: (مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج وإذا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، يقول: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، ثم أخبرهم أن الجنة طيبة التربة، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) بل إن من أعظمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة) ونجد من الأدلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ورأى بها سدرة المنتهى، ووصف لنا السدرة: (يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها) .

وأعظمه حديث ورد في قصة الكسوف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في صلاة الكسوف تقدم صلوات الله وسلامه عليه، وهو يمد يده الشريفة كأنه يتناول شيئاً وهو يتقدم، وتقدم الصحابة معه، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشيح بوجهه خائفاً، فرجع الصحابة، وسأل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن مد يده وتقدمه وعن تأخره؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (فتحت لي الجنة ورأيتها، وأردت أن آخذ عنقوداً من عناقيدها، ولو أخذته لأكلتم منه إلى قيام الساعة) دل على أن الجنة موجودة، وإلا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سيأكلون منه إلى قيام الساعة، وسبب رجوعه صلى الله عليه وسلم أنه فتحت له النار، وخشي من وهجها ولهبها، ورأى بها النبي صلى الله عليه وسلم أناساً يعذبون ومنهم المرأة وكانت من بني إسرائيل، كان عندها هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض فماتت، فوجدها النبي صلى الله عليه وسلم تخمشها هذه الهرة عقوبة لها، فدل على أن الجنة والنار موجودتان الآن.

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (دخلت الجنة، ورأيت قصراً عظيماً، فقلت لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، قال النبي صلى الله عليه وسلم فظننت أنه لي، ثم أردت دخوله فقيل لي: إنه لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاستحييت لما علمت من غيرة عمر) فبكى عمر عندما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، أعليك أغار! أعليك أغار! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة) والحديث المسلسل الذي سمعناه: (من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) هذه النار لا شك في وجودها، وكذلك الجنة لا شك في وجودها.

وبالنسبة للنار فإن النبي صلى الله عليه وسلم رآها ورأى أحوال الناس فيها، ونعوذ بالله من أحوال الزناة، وشرَّاب الخمر، وآكلي الربا وغيرهم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من حالهم ووصفه لنا كأنه يراهم رأي العين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) والسبب: أن النبي صلى الله عليه وسلم شاهد الجنة وشاهد النار رأي العين، ورآها النبي صلى الله عليه وسلم يحطم بعضها بعضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>