ومما ينبغي أن يعلم أنه لن يدخل أحد الجنة أبداً إلا بعد شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهلها، ولذلك فقد ورد في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه أول شافع وأول مُشفع، وأن من شفاعته صلى الله عليه وسلم الشفاعة الخاصة به، والشفاعة الخاصة به ثلاثة أنواع: الشفاعة الأولى: شفاعته في أهل الموقف العظيم، وهذه قد ثبتت في الصحيح وغيره، حيث يأتي الخلائق كلهم يبحثون من شدة ما أصابهم من الهول العظيم في هذا الموقف، يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيسجد تحت العرش ويقول: أنا لها، ثم يفتح الله عليه بمحامد، وحينئذٍ يقال له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع للخلائق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة أن يقضي الله بينهم.
الشفاعة الثانية الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: شفاعته في دخول أهل الجنة الجنة.
والشفاعة الثالثة: شفاعته في عمه أبي طالب بأن يشفع له في أن يخفف عنه العذاب، فيكون في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه، وهو أهون أهل النار عقوبة، هذه الشفاعة الخاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ذكروا أن أهل الجنة بعد أن يعبروا الصراط يقفون في قنطرة، وهذه القنطرة ثبتت في حديث أبي سعيد الخدري، وهو في صحيح البخاري (يخلص الناس من النار فيحبسون على قنطرة) والمقصود منها: (ليقتص بعضهم من بعض) بمعنى: أنهم لا يستحقون دخول النار، وحدوث القصاص بينهم حتى يعرف هذا منزلته: أفي أعلى الجنة، أم في وسطها، أم في أدناها؟ فيؤخذ بعضهم من بعض، دل على أنهم لا يستحقون النار، وإنما يكون الاقتصاص بمجرد أن توجد مراتبهم في جنات عدن.