كنا نتمنى أننا لو ترجمنا لهؤلاء الأئمة الكبار رحمهم الله تعالى ورضي عنهم، ولكن إلى الله المشتكى لضيق الوقت، ولعلنا توسعنا في بعض الجوانب، وقلت في نفسي: تراجم هؤلاء من السهل الوصول إليها، لكن الحرص على عرض بعض مسائل الاعتقاد هو الذي جعلنا نُغفل هذه، وقد نبهت سابقاً واعتبرتها كالقاعدة عندنا نحن: أن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى كلهم أثري سلفي في معتقده، وقصدي بذلك أنه متى ثبت عند أحدهم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ترك رأيه واطرحه اطراحاً كاملاً.
- مالك رحمه الله يقول:"كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم".
- أبو حنيفة لما عرض عليه حديث الإيمان، قالوا: ألا تجيبه؟ وكان يرى أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، قال: كيف أجيبه وقد قال بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا عن رسول الله، لا أستطيع.
- الشافعي سئل عن مسألة وقال فيها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: ما رأيك أنت؟ قال: أعوذ بالله! أتروني في كنيسة؟ أتروني في وسطي زناراً؟ أتروني في بيعة؟ أقول: قال رسول الله، فتقولون: ما رأيك أنت؟ منكراً عليهم، وهكذا منهج أئمة السلف، وهو السير على ما ثبت عن الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله:(هذا اعتقاد الشافعي) أي: هذا جملة من اعتقاد الشافعي وليس كله، وإلا فإن العقيدة جوانبها كثيرة، والمؤلف لم يعرض مسائل الاعتقاد كلها، لكن ما ذكره من المسائل الماضية هو ما يعتقده الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، وهذا هو المنقول عنهم، وهو الصحيح فيما ذكر في هذا، ثم قال:
فإن اتبعت سبيلهم فموفق
أي: من سار على ما كان عليه الأئمة الأربعة في معتقدهم فهو الموفق للحق والصائب فيه، وهذا نعتبره في الجملة؛ لأنهم على المنهج، وليس معناه أنه لا يحصل عندهم خطأ أو لا يحدث عندهم عدم إصابة الحق؛ لأننا نعتقد أنهم غير معصومين، فإن كل يؤخذ من قوله ويرد ولا عصمة إلا للرسل عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فإنه يحدث عندهم شيء من الخطأ، لكنهم كلهم على المنهج، أي: على منهج الكتاب والسنة والحرص عليه، ثم قال:
وإن ابتدعت فما عليك معول
أي: إن لم تأخذ بهذا المعتقد السابق وجئت بأمرٍ مبتدع محدث فما عليك معول، لا حجة فيما قلته أبداً، فالأول أدلته الكتاب والسنة، وإذا جئت بشيء غير ما دل عليه الكتاب والسنة فلا اعتماد على ما قلت، ولا قبول لما أردت.