الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لعلنا تكلمنا في الدرس السابق عن بعض المذاهب المتعلقة بالقضاء والقدر، ووجدت من الأحبة كثرة أسئلة حول هذا الأصل العظيم الذي هو الإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره، وأقول للأحبة كما قال وهب بن منبه رحمه الله تعالى: رأيت أعلم الناس بالقضاء والقدر أجهلهم به، وأجهل الناس بالقضاء والقدر أكثرهم بحثاً فيه وتنقيباً، ولعل السبب في ذلك: ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قال: [إن القضاء والقدر هو سر الله في خلقه، فمن يكشف سر الله تعالى؟] .
وتبقى العقول قاصرة أن تفقه أو تعلم دقائق هذا الأمر، ولكن أعطيت قواعد لابد من الإيمان بها، وهي المراتب الأربع: مرتبة العلم، والكتابة، والإرادة والمشيئة، والخلق، فإذا أقر الإنسان بها على ضوء النصوص اطمأنت نفسه ولم يجد في قلبه شيئاً من الاعتراض على أي شيء يحدث في هذا الكون من قضاء الله وقدره.
قدمت بهذا الأمر مبيناً التحذير من كثرة التنقيب والخوض في باب القضاء والقدر، ولعل الشيطان أكثر ما يقدح في نفس الإنسان من الشبه والشكوك ومن الأمور التي تزعزع مبدأ القضاء والقدر والإيمان به، ولهذا لما ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن البدع والشبه خطيرة على الإنسان، قالوا: وأشدها خطراً ما كان متعلقاً بالقضاء والقدر، خاصة أنها تتعلق بأمرٍ غيبي ولا يمكن للإنسان تفسيرها إلا إذا كان عند الإنسان قاعدة بالإيمان بالله وبرسوله وبما أخبر عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وسلم واطمأنت نفسه لهذا الأمر.