[طعن الخوارج في الصحابة]
الخوارج طعنوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعون، والعجيب أن لهم منهجاً يتميزون عن الطائفة التي تدعي موالاة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: من حسنات الخوارج أنهم أقروا بإمامة أبي بكر وعمر، ولم يتعرضوا لهما أبداً، ورأوا أن إمامتهما شرعية ورضوا بها، وأن أبا بكر وعمر سارا على الصراط المستقيم، وإنما حدث ما حدث في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فأنكروا إمامته مع أن العصر الذهبي للأمة المسلمة كان في عصر عثمان رضي الله عنه وأرضاه، إذ عاش أكثر من اثنتي عشرة سنة أو قريباً من ذلك، وكانت عشر سنين من خلافته نصراً وتمكيناً ورخاءً ورغداً، وإنما نقد عليه في آخر حياته، ولم ينظروا إلى ما قدمه رضي الله عنه وأرضاه من الأعمال العظيمة التي لا تُنسى إلى قيام الساعة، ونقدهم هذا لا شك أنه باطل، والله قد أثنى على أصحاب رسوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] وفي آيات شهد الله لهم بالإيمان: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:٦٨] ولا تنطبق هذه الآية إلا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك من ثناء الله على رسوله وعلى أصحابه مما يرد بها على الخوارج في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:٧] فأعظم ما تنطبق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تميزوا به.
ومن مطاعنهم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة على علي، يقول نافع بن الأزرق وهو من كبار الخوارج: إن علي بن أبي طالب قد كفر وافترى على الله تعالى، وأن الله أنزل في شأن علي بن أبي طالب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٤-٢٠٥] وقبح الله هذا الخارجي كيف يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه! وذكر أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:٢٠٧] وهذا الكلام باطل، بل هذا من الانحراف عن منهج الله.
لقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من هؤلاء الخوارج وتبين انحرافهم، منها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم مالاً، إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من تميم، فقال: يا رسول الله! اعدل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك! ومن يعدل إن لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أعدل؟ فقال خالد: يا رسول الله! ائذن لي لأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) .
وقد بين أبو سعيد الخدري رضي الله عنه بعد أن روى الحديث قال: [فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قاتلهم وأنا معه] ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامة هؤلاء الخوارج رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة وتتدردر، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن المسلم لا ينبغي له أن يغتر بالشخص مهما كثرت صلاته وعبادته وطاعته واستقامته, وإنما العبرة بالمنهج الذي يسير على ضوئه، وكم من الطوائف نشاهدها في واقعنا إذا ذكروا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيرة علي بن أبي طالب أو غيره من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بكوا بكاءً مراً، وذرفت أعينهم، وأنفقوا ومع ذلك ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٢-٤] دل على أنه لا ينخدع الإنسان بكثرة العبادة ولا غيرها.
ولهذا لما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج قال: (هم شر الخلق أو من شر الخليقة، تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في وجوههم مثل ركب المعز من كثرة السجود، وينفقون، ولو سمع الإنسان خطب الخوارج لوجد أنهم يتكلمون بقوة، ويَبكون ويُبكون من حولهم، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة وهم أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) إلى غير ذلك مما يبين أنهم ليسوا على الحق مع كثرة ما يعملون من الطاعات والعبادات.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من صفاتهم: أنهم لا يسمعون الحق ولا يهتدون، ولما سئل عبد الرزاق عن معمر، عمن سمع الحسن لما قتل علي بن أبي طالب الحرورية، قال: [من هؤلاء يا أمير المؤمنين؟ أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً، قيل: فما هم؟ قال: قوم أصيبوا بفتنة فعموا فيها وصموا] أي: أصيبوا بفتنة ثم أصبحوا يتخبطون فما يدرون أين يتوجهون.
ولقد نقل عن أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه: لما أتي برءوس الأزارقة وهم من الخوارج، فنصبت على درج دمشق، جاء أبو أمامة فقال لهم مشيراً وقد دمعت عيناه لما رأى حالهم: [كلاب النار كلاب النار، هؤلاء لشر القتلى قُتِلُوا، وخير القتلى الذين قتلهم هؤلاء القوم] ثم قيل: فما شأنك؟ لِمَ بكيت وذرفت عيناك بالدمع؟ يقصدون أبا أمامة صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام، قال: أقلت برأيك أن هؤلاء كلاب النار أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني إذاً لجرئ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، ولا اثنتين ولا ثلاث، فعدد مراراً، ثم تلا قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦] حتى بلغ قوله تعالى: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:١٠٧]] ونعوذ بالله أن نكون من هؤلاء وأن يتشبه الإنسان بمثل حالهم، وصفاتهم متعددة وكثيرة ولسنا بصدد حصرها.