للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف القبر]

قال المؤلف: (في قبره) قال في اللسان: القبر هو مدفن الإنسان، وجمعه قبور، وسيأتي الخلاف بين العلماء هل هذا خاص بالمسلم أم أنه حكم عام؟ الذي يظهر أن القبر عام بالبشرية كلها، وهذه تعتبر من كرامة الإنسان: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠] لفظ عام ليس للمسلم ولا للكافر، وهذه من كرامته أن الله لم يجعل الإنسان يلقى على الأرض تأكله السباع، وتنهشه الطير، ويقذره الناس.

ولذلك سن الله سبحانه وتعالى القبر للناس، وكان القبر مما أكرم الله به بني آدم، ونذكر هنا قصة ابني آدم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة:٢٧] قتل أخاه، فلم يدر ماذا يعمل به، وقد ذكرت كتب السير أنه حمله معه زمناً طويلاً لا يدري ما يعمل به، فجاء الله بغراب اقتتل غرابان ثم قتل أحدهما الآخر، فقام الغراب فبحث في الأرض وذاك ينظر إلى ما يعمل فدفنه، فقال: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} [المائدة:٣١] .

ولذلك ذكروا أن هذه سنة، وامتن الله في قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:٢١] أي: جعل له قبراً، أو أن الله سبحانه وتعالى جعل له سبباً أن يقبر، فالله جعل للناس قبوراً، والآية تدل على وجوب دفن الأموات، فهذه الآية: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:٢١] تدل على وجوب دفن الأموات وإقبارهم دون إحراقهم، إلا ما يفعله المجوس والهندوس نعوذ بالله، فإنهم إذا مات ميتهم يحرقونه بالنار، ولعل هذه عاجل عقوبتهم في الدنيا.

وأذكر من اللطائف أنه ذكر لسماحة شيخنا لما ماتت أنديرا غاندي، فاجتمع أهلها وقراباتها بل وأولادها، وجعلوها في مكان وأضرموا عليها النار، ولما سئل سماحة شيخنا عن هذه قال: عاقبها الله في الدنيا بالنار قبل أن تصل يوم القيامة، مما يدل والعياذ بالله على نقص عقولهم وعدم معرفتهم.

ولا كما يفعله المشركون بالموتى، فإن المشركين في الحروب يتركونهم، المجوس يحرقونهم بالنار، والمشركون في الحروب يتركون موتاهم في الفيافي والقفار تنهشهم وتأكلهم السباع والطيور ولا يعبئون بهم.

وجاءت مفخرة لأهل الإيمان بقضية القبر، ولهذا قال الشنفرى:

ولا تقبروني إن قبري محرم عليكم ولكن أبشري أم عامر

أي: يفتخر بأنه يلقى بسبب المعارك والقتال، ويفخر أنه قتل في المعارك ويرى أن هذه شجاعة ليبقى، ويريد أن يترك حتى تأكله السباع، أبطل الله هذا الأمر وأمر بالدفن سواء قتلوا في المعارك أو غيرها، ودفن النبي صلى الله عليه وسلم شهداء أحد، وأما الكفار فألقاهم في القليب موارياً لجثثهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>