للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام العلو]

نعجب من هؤلاء المبتدعة إذ لم يقبلوا نصوص الكتاب والسنة بل أولوها، وقالوا: إن المقصود منها أن العلو للفوقية هنا فوقية المكانة والقدر، بمعنى أن الله في العلو له المكانة، وإلا فإنهم لا يقبلونه، وأهل السنة يقولون: إن العلو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ١- علو قدر وهي المكانة.

٢- علو قهر وهي الغلبة {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:١٨] .

٣- علو الذات.

المبتدعة لا يجادلونا في علو القدر ولا في علو القهر، ولكن يجادلونا في علو الذات، ولا يثبتون الله في العلو، أما نحن فنثبت أنواع العلو كلها لله، ونقول: إن لربنا الكمال فيها كلها، ونقول: الله سبحانه وتعالى عالٍ على خلقه علواً يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى.

والقول بعلو القدر وعلو المكانة لله تعالى أمر تأنف منه العقول، فإذا جئت إلى شخص مثلاً وقلت له: إنك والله لك منزلة في نفسي أفضل من الحمار والكلب، هل ينبسط أم يغضب؟ قال الشاعر:

ألم ترَ أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

فلو جاء إنسان يوازن بين السيف وبين العصا فإنه قد نقص قيمة السيف، وإذا قيل: إن الله خير من خلقه وأفضل من خلقه فهذا تنقص للرب سبحانه وتعالى؛ لأن هذا الأمر مغروس في الفطر (أن الله سبحانه وتعالى فوق خلقه منزلة وقدراً وقهراً) ومع وجود هذا الأمر وهو أمر فطري نثبته لله، لكن ليس هذا هو مدح للرب سبحانه وتعالى، بل إن المدح أن نثبت له سبحانه وتعالى الكمال المطلق، ومنه إثبات علو الذات له سبحانه وتعالى، وبهذا يبطل كلام هؤلاء في تأويلهم على أن العلو يقصد به علو المكانة أو أن المقصود أن الله خير من خلقه سبحانه وتعالى.

انطلقوا إلى النصوص الدالة على الدليل الفطري، عندما قلنا لهم: إن الإنسان إذ يقول: يا الله، يجد قلبه يتعلق بالعلو، قالوا: تعلق القلب بالعلو لأن السماء هي قبلة الدعاء، وهذا الكلام باطل وليس بصحيح لا لغة ولا شرعاً ولا عقلاً، القبلة في اللغة هي ما تستقبل بوجهك، فهل نحن إذا دعونا نرفع أبصارنا إلى السماء؟ لا، بل نهينا عنه: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء أو ليخطفن الله أبصارهم) نهينا أن نرفع، ولهذا يسمى ما يقبل به الإنسان قُبل، وخلفه يسمى دُبر، ندعو الناس إذا أرادوا أن يدعوا أن يتوجهوا بوجوههم إلى السماء.

ثم قال العلماء: لم يأتِ دليل على أن هناك قبلتين: قبلة للصلاة وهي إلى الكعبة، وقبلة للدعاء وهي السماء، فهذا لم يرد فيه دليل لا من كتاب ولا من سنة، ولم يقل به أحد من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقولنا بهذا يدل على ابتداع هؤلاء القوم، وأنهم جاءوا بأمر محدث.

ثم قال العلماء: إن القبلة تقبل النسخ، فكان الصحابة يستقبلون بيت المقدس سابقاً، ثم صرفوا إلى الكعبة، لكن في توجه الإنسان بقلبه إلى العلو لا يمكن أن يطرأ عليه نسخ؛ لأن هذا شيء مركوز في الفطر، وما كان في فطر الناس مركز لا يحدث فيه النسخ أبداً، مما يدل على بطلان ما جاء به هؤلاء القوم، ويدل على انحرافهم.

واعترضوا على قضية الدليل العقلي، بإنكار بداهته، فجاء المبتدعة يقولون: نحن عقلاء أم مجانين؟ قلنا: أنتم عقلاء، قالوا: نحن إذاً لا نقبل، الدليل العقلي يجب أن يتفق فيه العقلاء كلهم ونحن لا نقبل.

فنحن نقول لهم: إن كان دليلنا العقلي باطلاً فما توردونه من الأدلة في نفي علو الله تعالى أشد بطلاناً، أي: أنتم أكثر عمقاً في الباطل، وإن كان قولنا حقاً وقولكم حقاً، فنحن أكثر تمكناً في الحق منكم، فتميز أهل السنة بقلة الباطل -على فرضه تنزلاً- وبكثرة الحق في هذا الأمر، وما دامت القضية الدليل العقلي أصبح أمراً مشتركاً بيننا وبينكم فإننا نسأل ونقول: فطر الناس معنا أم معكم؟ نقول: مع أهل السنة وليس مع المبتدعة، فزاد أهل السنة بفطر الناس، ثم نسأل فنقول: أدلة الكتاب والسنة معنا أم معكم أيها المبتدعة؟ فـ أهل السنة معهم أدلة مرجحة لدليلهم العقلي (الفطرة وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) وبهذا ترجح دليلهم العقلي في إثبات علو الله سبحانه وتعالى والإقرار به، وبهذا نعلم أن الله سبحانه وتعالى له العلو بجميع أنواعه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات سبحانه وتعالى، ولا نتعرض لذلك ولا ننفيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>