هذه النار -نعوذ بالله منها- لها خزنة، وهؤلاء الخزنة خلقهم عظيم، وبعثهم شديد:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦] وذكروا بأنهم غلاظ شداد، ولذلك الغليظ الشديد ليس في قلبه شيء من الرحمة لأحد، وخلقهم الله بهذه الصفة حتى لا يسمع أو لا يتأثر ببكاء أهل النار، وبما يصيبهم من الشدائد، ولهذا سبحان الله! لو رأيت شخصاً يقام عليه القصاص، وسمعت بكاءه وصراخه وعويله، قد يرق قلبك لما تسمع، ولكن جعل الله هؤلاء الملائكة غلاظاً شداداً، حتى لا يوجد في قلوبهم رأفة لمثل هؤلاء، وبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هؤلاء هم خزنة النار.
وسبحان الله! ذكر هؤلاء الخزان وإذا عددهم:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:٣٠] ويصبح عددهم في نظر الناس قليلاً، ولما سمع كفار قريش بهذا العدد جاء جاهل من هؤلاء وقال: أنا علي خمسة عشر؛ لأنه كان قوياً وكان بأسه شديداً، وأنتم عليكم كلكم أربعة، ولهذا قال الله:{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}[المدثر:٣١] جعل الله تلك العدة فتنة، ويظن بعض الناس قلة العدد أنها دليل على أنه يمكن للإنسان الخلاص، وهؤلاء بمنظار عقولهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وإلا لو نظر الإنسان إلى قضية الملائكة وما عندهم، من أعظمهم ملك الجبال الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطبق على أهل مكة الأخشبين، جبلين عظيمين يطبقهما، وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود بسند صحيح، أنه قال:(أذن لي أن أحدثكم عن ملك من حملة العرش، ما بين شحمة أذنة إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) وكيف بالمخلوق الضعيف الصغير الحقير يعترض على هذا العدد، ويظن بأنه سيكون له شيء، ولهذا قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت في ذكر عدد من الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنه يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من هؤلاء الملائكة لا يمكن للبشر كلهم لو اجتمعوا عليه أن يفعلوا شيئاً أو يقاوموه، ولا شك أن هذا أمر عظيم، وسبحان الذي يقدر ما يشاء ويفعل ما يريد.