[منهج أهل السنة والجماعة في آل البيت]
ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله:
ومودة القربى بها أتوسل
المودة: هي المحبة، ويقصد المؤلف رحمه الله تعالى أن محبة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم (أتوسل بها) .
ولماذا أفرد القربى مع أنها داخلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: ذكرها تركيزاً عليهم؛ نظراً لأن لهم فضائل يتميزون بها عن سائر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولأن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم قد تُعرض لها باللمز وبالسخرية وبالسب وبالتهجم؛ خاصة من طائفة الخوارج الذين قدحوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القربى: يقصد بها قرابته صلى الله عليه وسلم، وهم أهل بيته المنوه بذكرهم في قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:٢٣] .
وقوله: (ومودة القربى بها) أي: بمحبة أهل البيت كلهم (أتوسل) أي: أتقرب إلى الله تعالى.
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم حقوق يجب رعايتها، فإن الله قد جعل لهم حقاً في الخمس، وحقاً في الفيء، وأعظم ما فيه أن الله أمرنا بالصلاة عليهم مع رسوله في كل صلاة نصليها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ألسنا نقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، في كل صلاةٍ نصليها ونقولها، وما من مسلم إلا ويقولها، مما يدل على فضلهم ومنازلهم التي لا تنطبق إلا على من استقام على دين الله تعالى وسار على منهاجه، وإلا فإن من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا لهب ومع ذلك ليس داخلاً في آل البيت، بل أنزل الله فيه قرآناً يتلى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] ولم يستفد من تلك القرابة شيئاً.
وآل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهكذا قال الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وقد قال الله فيهم ثناءً عليهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:٣٣] .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الحسن أو الحسين أخذ تمرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كخ كخ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تكون من الصدقة لأخذتها، ثم قال: إن آل محمد لا تحل لهم هذه الصدقة، لأنها من أوساخ الناس) ولذلك وجب علينا محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد ورد في المسانيد والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه العباس وقال: (يا رسول الله! إن قريشاً تجلس في أنديتهم يتضاحكون، حتى إذا جئنا لم يحدثونا وجفونا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً: والذي نفسي بيده، لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي) يقصد بهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك وجب علينا أن نحبهم ونجلهم ونعظمهم ونجعل لهم المنازل؛ لأن الله قد اصطفاهم، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم) صلوات الله وسلامه عليه، مما يدل أن لهؤلاء منازل يجب أن تحترم وأن ينزلوا منزلتهم التي دل عليها الكتاب والسنة.