أنبه تنبيهاً لطيفاً في قضية أدب الطلب، ونحن نحتاج إليه، وهو قضية السؤال: ينبغي أن نعلم أن من منهج سلف الأمة في مسألة السؤال والإجابة عليه، أن السلف رحمهم الله كانوا يتورعون في الإجابة على الأسئلة، ولا يستشرفون لها، ولقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وغيره في آداب الطلب أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا سئل أحدهم عن مسألة أحالها على الآخر، كل يحيل على أخيه ليس استشرافاً للفتيا.
ونقول للأحبة: ينبغي لك إذا سئلت عن مسألة، إن كان معك أو تعرف الحق فيها كالشمس، فلا مانع من الإجابة، ولكن إذا وجد في المجلس من هو أعلم منك وأحسن منك في التأصيل والتقعيد، فينبغي أن تسكت ولا تستشرف لها، ولهذا روي:(أجرؤهم على الفتيا أجرؤهم على النار) ولأن قضية بيان الحكم كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله وغيره: بيان أن هذا هو قول الله، أو هذا الذي قال به الرسول صلى الله عليه وسلم، والإفتاء في هذه الأمور خطره عظيم؛ لأنه ينسب إما إلى الله في قضية الحكم، أو أن هذا هو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، ووجب على الإنسان أن يربي نفسه على قضية التورع في الإفتاء، ولهذا ذكر بعض السلف مبيناً واقعاً كان يعيشه ومحذراً منه:[إنكم لتفتون في أمور لو كانت في عهد عمر لجمع أهل بدر يستفتيهم فيها] .
والعجب أن نجد بعضاً من المبتدئين في طلب العلم يفتي في قضية الطلاق بالثلاث، وفي مسائل الحيض، وفي مسائل عظيمة، يعجب الإنسان كيف يجرؤ سمع فتوى وانطلق بها، وليس الأمر بقضية الفتوى أنه عرضها ثم يلقيها، بل إنه يقيس عليها وينظر لها، ويعطي مسائل متعددة استنباطاً من هذه، وما علم أنه ربما يقع في أمرٍ ويخطئ فيه، ويصبح هذا الرجل يتدين لله بغير علم، فأصبح هذا الإنسان قد أضله بدلاً من أن يهديه إلى هذا الأمر.
أتذكر قصة من اللطائف وهي قصة مع شيخنا العلامة حفظه الله وأمد في عمره، وأقول للأحبة: كلما ازداد علمك كلما عرفت بأنك على جهل، وتحتاج إلى زيادة علم.
أتذكر أني زرت شيخي حفظه الله وأمد في عمره! مع أحد العلماء الكبار الذين يشار إليهم بالبنان، وكنت معه في استفتاء في بعض المسائل، جمعناها لعرضها على شيخنا العلامة، وكانت من المسائل المعضلة.
وجاء العالم الكبير الذي جئت معه يعرض على الشيخ بعضاً من هذه المسائل، ثم لما عرض عليه السؤال قال: إننا لم نجد كلاماً لأهل العلم كثيراً، وبضاعتنا في هذه المسألة قليلة، فقال عالم الأمة شيخنا العلامة أمد الله في عمره: كلنا قليل العلم، فوقفت مبهوراً، عالم كبير وفي مصاف كبار العلماء، ومع ذلك يقول: بضاعتنا في هذه المسألة قليلة، وعالم الأمة يقول: كلنا قليل العلم.
وأقول للأحبة: إذا كان هذا كلام العلماء الكبار، فمن نحن أمام هؤلاء؟ إن هذا مما يوجب علينا أن نحرص على الزيادة من العلم، وعلى الحرص على القراءة والتحصيل والاستفادة، شحذاً للهمم في المواصلة في الطلب، وهذا هو الواجب علينا أن نسير على ضوئه.