الذين يدخلون الجنة منهم من يدخل بغير حساب ولا عذاب، وهؤلاء ذكروا أن أول زمرة تدخل وجوههم كالقمر ليلة البدر، وذُكر من صفات هذه الزمرة كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة:(أنهم لا ينامون ولا يبصقون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم الذهب، وأمشطتهم الفضة) صفات عجيبة لهؤلاء القوم، ويكفي مجرد التخيل، وإن كان التخيل لا يوصلك إلى الحقيقة؛ لأن الله قطع الأطماع نهائياً (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) .
ويأتي تسلية لأولئك الذين لم يأخذوا شيئاً من زهرة الحياة الدنيا، وهم الفقراء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الفقراء من المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً، أي: أربعين سنة.
ومن الأمور التي تأتي تسلية لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد قال:(قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين) مما دل على أنهم حرموا شيئاً من اللذة، فيعطون شيئاً من التعويض يوم القيامة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال:(وأصحاب الجد -أي: الغنى- محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أدخلوا النار أو دخلوها) .
وثبت في الصحيح كذلك أن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، أي: أصحاب الأموال وأكثر أهل الأموال هم أقل الناس دخولاً الجنة يوم القيامة، والسبب: لأنهم يعيشون في المعاصي والفجور، وتكون تلك الأموال سبباً للوبال عليهم، فيحبسون عن الجنة.
ونجد أن آخر قوم من الناس يخرجون من النار، ولعل هؤلاء من عصاة الموحدين ويدخلون الجنة، ويسمى هؤلاء بالجهنميين، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم أو بخطاياهم، فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن الله بالشفاعة فيهم، فيشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويخرجون من النار وقد امتحشوا فكانوا كالفحم، ثم يوضعون في أنهار الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يخرجون ويوجد عليهم إشارة تبين أن هؤلاء هم آخر أهل الجنة دخولاً، ويسميهم أهل الجنة بالجهنميين، وليس استنقاصاً لهم، وإنما تميزاً لهم بفضل الله تعالى عليهم؛ لأنهم أقحموا في النار وخرجوا، فوجدوا شيئاً من هذا النعيم الذي أعطاهم الله، والأحاديث في هذا كثيرة.
وقد ذكرنا فيما سبق آخر من يدخل الجنة عندما تكلمنا على الصراط.
وذكر من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث أخرجه البخاري ومسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً فيها، رجل يخرج من النار حبواً، فيقال له: اذهب إلى الجنة، فيقف على باب الجنة، ويجدها مزدحمة، فيرجع إلى ربه فيقول: يا رب وجدتها ملأى وليس لي موضع فيها، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشر أمثالها، فيقول: أي رب! أتسخر بي وأنت رب العالمين، قالوا: فيضحك الرب، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك حتى بدت نواجده، فكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أدنى أهل الجنة منزلاً) فإذا كان هذا أدنى أهل الجنة منزلاً يعطى مثل الدنيا عشر مرات، فدل على أن هذه الجنة عظيمة، وأن مكانها كبير، وما نظر إليها هذا المسكين فإنما هو نظر لما أعطى الله لأوليائه من عظيم المنازل.