أنطلق إلى أنواع التقدير، وأبدأ بمرتبة الكتابة التي يجب علينا الإيمان بها، والتقدير أنواعه متعددة: التقدير الأول: التقدير الأزلي: وهو كتابة المقادير قبل خلق السماوات والأرض، ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ويشهد له قول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد:٢٢] وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة) ومفهوم هذه المرتبة أن المسلم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد كتب كل شيء، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(جفت الأقلام وطويت الصحف) أي: أن هذا الأمر قد فرغ منه، وما كتب في اللوح المحفوظ لا تغيير فيه ولا محو، ولا زيادة فيه ولا نقصان.
التقدير الثاني: التقدير العمري، وذلك حين أخذ الميثاق على بني آدم:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[الأعراف:١٧٢] دل على أن هذا التقدير كان للإنسان منذ الأزل؛ قدر للإنسان ما سيعمله، ولقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لـ عمر بن الخطاب قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً ومقصوداً لذلك: أن الله سبحانه وتعالى قدر جزءاً من ذرية آدم إلى النار، وجزءاً منهم إلى الجنة، والله عالم بأهل الجنة وما يعملون، وأهل النار وما سيعملون سبحانه وتعالى، ويسمي العلماء هذا التقدير: التقدير المتعلق بأخذ الميثاق، وإن كان بين العلماء فيه خلاف.
والإمام ابن القيم رحمه الله تطرق إلى هذه المسألة، ورجح أن قضية مسح ظهر آدم وإخراج الذرية منه إخراجاً حسياً أن النصوص ليست صريحة في إثباته، وإنما ما كان من التقدير الذي إنما يشهد تمييز الناس إلى جنة أو إلى نار، وأن هؤلاء من ذرية آدم إلى النار، وأن هؤلاء من ذريته إلى الجنة.
التقدير الثالث: الذي يكون للإنسان عند أول تخلقه، ويسميه العلماء: التقدير العمري الخاص بالإنسان -والأول: التقدير الذي يعتبر متعلقاً بالميثاق- فالتقدير الذي يكون خاصاً بالإنسان مثلما قال الله تعالى:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم:٣٢] ويشهد له حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلقة، ثم المضغة، ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح، ثم يكتب رزقه وأجله، ثم قال: وشقي أو سعيد، ويصبح كل واحد منا كُتب، وهذه الكتابة والتي قبلها كلها مرتبطة بقضية الكتابة المتعلقة باللوح المحفوظ.
التقدير الرابع: التقدير الحولي: وهذا التقدير في ليلة القدر، وهي في قول الله تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:٤] أي: أن الله سبحانه وتعالى يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من سيموت ومن سيمرض ومن كذا، ويقدر ما سيعمله في ليلة القدر في السنة التي هو فيها وجزء من السنة القادمة.
التقدير الخامس: التقدير اليومي، يقول الله تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:٢٩] سبحانه وتعالى.