مسألة: من لم يدفن أصلاً أو كان مصلوباً، أو ألقي في البحر، أو حدث له أن تمزق أو احترق فما وجد منه شيء، أو سقط في بئر ثم لا ندري أين ذهب، فما حاله؟ نقول: كل هؤلاء بجميع صفاتهم يحدث لهم سؤال الملكين، ويحدث لهم النعيم والعقوبة، ويفتح لهم باب إلى الجنة وباب إلى النار، نثبته لأن هذا قد ثبت عندنا، وما استثني، أي: لم يرد عندنا من الأحاديث هو في مجرد من قبر، هل معناه أن من لم يقبر لا يحدث له؟ نقول:لا، وإلا لقام الإنسان ووضع والده الفاسق أو الكافر أو الملحد في (فريزر) عنده، وأبقاه سنوات حتى لا يصاب بعقوبة الله، نقول: بل يصل إليه، لكن كيفية الوصل وغيره؟ نقول: الله أعلم بها.
والعجب من المعتزلة أنهم أنكروا ذلك إنكاراً كلياً، ولا شك أن هذا الكلام باطل، وأجالوا العقل فيه، ونحن نقول مثل هذه الأمور الغيبية: لا يمكن إجالة العقل فيها أبداً؛ لأن هذه ليس للعقل فيها مجال.
ولذلك أنكرت المعتزلة عذاب القبر، ومن اللطائف أن أحد أئمة أهل السنة صلى على أحد المعتزلة، فكان من دعائه الذي دعا له أن قال: اللهم أذقه عذاب القبر فإنه لا يؤمن به، وهذا دعاء عليه وليس دعاء له.
هؤلاء استبدعوا هذا الأمر بأمورٍ عقلية، منها قالوا: إن الملائكة لا نجدهم، لو فتحنا القبر لم نجد أنه يضرب بمرزبة من حديد، ولم نجد في قبره ناراً، ولم نجد تضييق القبر عليه في القبر واختلاف أضلاعه.
قالوا: كذلك ونحن نجد المصلوب على الخشبة، قد يصلب الإنسان مثلما قيل عن أحمد بن نصر الخزاعي إنه بقي مصلوباً سبع سنين على خشبة في العراق، فهل معنى ذلك أنه لا يصل إليه شيء من النعيم ولا من العذاب؟ لا يمكن أبداً.
وذكروا كذلك من افترسته السباع أو أكلته الحيتان في البحر، لم نجد له عقوبة ولا غيرها، نقول: هذا الكلام مجرد كلام وهذيان عقلي، وهذا لا يمكن أن نقول به إطلاقاً، بل ما ورد إثباته فنثبته.