فهي عقيدة وسط، وتتميز وسطية هذه العقيدة بأمور كثيرة، والوسط هنا يقصد به أنها عقيدة بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والتقصير، فليست كالعقائد الأخرى التي فيها نوع من الانحراف والتغيير والزيادة والنقص، ولذلك نجد أن عقيدة أهل السنة والجماعة وسطاً بين الأديان كلها، فاليهود هم الذين وصفوا الله بالنقائص وقالوا:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}[آل عمران:١٨١] وقالوا قبحهم الله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة:٦٤] .
ونجد أنها في المقابل وسط بين طائفة النصارى الذي غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام، ووصفوه بأن أعطوه صفات الرب سبحانه وتعالى، وجعلوا له حق التصرف في الإحياء والإماتة، وله حق التصرف في الكون كله، وأصبح أهل السنة وسطاً بين هؤلاء، فأثبتوا لله الأسماء الحسنى والصفات العلى.
وهكذا في مسألة العبودية، فهم وسط بين الدهريين الذين ينكرون وجود الله تعالى بالكلية -وكذلك في عصرنا الشيوعين الذين يقولون: لا إله والحياة مادة- والدهريون الذين قالوا:{مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}[الجاثية:٢٤] وبين طوائف المشركين الذين عبدوا آلهة متعددة، فقريش عبدت عند الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً من دون الله، وجاءت هذه العقيدة (عقيدة أهل السنة والجماعة) لتعلن للناس أن لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، وعجبت قريش!! {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ}[ص:٧] وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥] مستنكرين لهذه الألوهية.
وهم كذلك وسط في أمورٍ متعددة، ولقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على وسطية أهل السنة والجماعة بكلام نفيس، بيَّن فيه أنهم وسط بين الملل السابقة، كما أنهم وسط يبن الطوائف التي تعيش بين ظهراني المسلمين، فهم وسط في أسماء الله وصفاته بين المشبهة والمعطلة، فـ المعطلة نفت الصفات كلياً، وقالوا: إن الله ليس له الأسماء الحسنى ولا الصفات العلى.
ووسط بين المشبهة الذين يقولون: إن يد الله مثل يدي، وسمع الله مثل سمعي، قاتلهم الله أنى يؤفكون، فإن هذا أمر لا يجوز لنا بأي وجه من الوجوه، بل لله سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى والصفات العلى، ونقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] .
ووسط بن القدرية الذين ينفون القدر، وهذا ينطبق على المعتزلة، وكذلك الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على فعله.
ووسط في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الذين يكفرونهم ويجعلونهم خارجين من الإسلام، وبين طوائف تؤله بعض الصحابة وتعظمهم، وتجعل لهم تصريفاً في الكون وتدبيراً، ولذلك أصبح أهل السنة والجماعة وسطاً بين الطوائف المنحرفة، ولسنا بصدد الحصر لوسطية أهل السنة في كثير من مسائل الاعتقاد.