إن قيل: ما الذي يفيد تعريف قوله المفسدون وإدخال لفظه هم عليه؟.
قيل: أما التعريف: فيقتضي كون الكلام جواباً أو كالجواب، وأما إدخال لفظ هم، فيقتضي إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمن عداه نحو أن يقال:" زيد منطلق "، فتقول: أنت يا عمرو هو المنطق، ولما كان في قولهم:{نَحْنُ مُصْلِحُونَ} تعريض إنكم المفسدون رد الله تعالى عليهم بقوله: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} وقد تقدم أن " شعرت " يستعمل على وجهين أحدهما بمعنى: أحسست والثاني: بمعنى فطنت، فقوله:{وَمَا يَشْعُرُونَ} في الآية الأولى نفي الإحساس عنهم، وفي هذه الآية نفي الفطنة عنهم، لأن معرفة الصلاح والفساد تدرك بالفطنة، وفي الآية التي بعدهما نفي العلم عنهم،
فإن قيل: كيف نفي أولاً الحس ثم الفطنة ثم العلم ومعلوم أن ما لا حس له فلا فطنة له ولا علم؟، قيل: إن في نفي هذه الثلاثة على هذا الوجه تنبيهاً لطيفاً ومعنى دقيقاً وذلك أنه يبين في الأول أن في استعمالهم الخديعة نهاية للجمل الدالة على عدم الحس، ثم بين في الثاني أنهم لا يفطنون - تنبيهاً على أن ذلك لازم لهم، لأن من لا حس له لا فطنة له، ومن لا فطنة له لا علم له، ثم بين في الثالث أنهم " لا يعلمون " - تنبيهاً أن ذلك أيضاً لازم لهم، لأن من لا فطنة له فلا علم له فإذا: من الألفاظ الثلاث إشارة إلى قياس ظاهر وإلزام واجب لمن تأملها وتدبرها.
قولهم: الناس، بل كل اسم نوع، ف، هـ يستعمل على وجهين، أحدهما: دلالة على المسمى وفصلاً بينه وبين غيره، والثانيك وجود المعنى المختص به وذلك هو الذي يمدح به في نحو:
" إذ الناس ناس والزمان زمان "
ونحو ذلك:" زيد رجل "، و " هذا الفرس فرس "، ومثال ذلك أن كل ما أوجده الله في هذا العالم يصلح لفعل خاص به لا يصلح لذلك العمل سواه، فإن الفرس للعدو الشديد، والبعير لقطع الفلاة البعيدة، والمنجر لنجر الخشب والمنحت لنحته، وعلى ذلك الجوارح كاليد والرجل والعين.
والإنسان أوجد لأن يعلم ويعمل بحسبه، وكل شيء لو يوجد كاملاً لما قد خلق له لا يستحق اسمه مطلقاً، بل قد ينفي عنه نحو قولهم:" فلان ليس بانسان "، أي لا يوجد فيه المعنى الذي خلق من أجله، فإذ ثبت ذلك، فقوله