{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية صح أن يقال: (لا يزني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، وأن يقال " يزني الزاني وهو مؤمن " وعلى ذلك كل ما هو مركب من شيئين، أو كان له مبدأ وغاية كما تقدم صدق فيه أربعة أخبار بأربع نظرات، نحو أن يقال: السكنجبين حلو، السكنجبين حامض، " السكنجبين حلو حامض "، السكنجبين لا حلو ولا حامض، ومتى تصورت هذه المقدمة سهل الجواب عن هذه الآيات إذ كل ذلك راجع إلى أحد الأسباب المذكورات من المخالفات.
[(فصل في بيان انطواء كلام الله تعالى على الحكم كلها علميها وعمليها)]
كتاب الله تعالى منطو على كل ذلك بدلالة قوله تعالى:{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} وقوله: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}، وقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، لكن ليس يظهر ذلك إلا للراسخين في العلم، ولكونه منطوياً على الحكم كلها قيل في تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، أنه عنى به تفسير القرآن ثم منازل العلماء تتفاوت في تفهمه ولذلك قال تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وأعظم ما يقصر تفهم الأكثرين عن إدراك حقائقه: أحدهما: راجع إلى اللفظ، والآخر راجع إلى المعنى فالراجع إلى اللفظ شيئان: أحدهما: ما اختص به اللغة العربية من الإيجاز، والحذف، والاستعارات والإشارات اللطيفة، واللمحات الغامصة مما ليس في سوى هذه اللغة والآخر: ما يوجد