إن قيل: كيف قال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}، ثم قال {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}، ثم رجع إلى ذكر النفقة، وذلك كلمات متباينة في النظم متفاوتة في السرد؟ قيل: بل ذلك في نهاية حسن النظم، فإنه تعالى لما بين فضل الإنفاق في سبيله وحث عليه حذرنا من الجنوح إلي الشيطان وإلى شرور النفس، وحثنا على الاعتماد على الحق بقوله:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الآية، ثم بين بقوله:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} أن ذلك أمر يعرفه المتخصص بالحكمة التي يؤثر الله بها من يشاء، ثم رجع إلي ذكر النفقة وبين أن ذلك موضوع عند من لا يسهو أولا ينسى، وصار ذلك الحكمة مع كونه متعلقا بما تقدم كالاستطراد والتنويه بذكرها والحث على معرفتها والتخصيص بها ..
إن قيل: ما وجه تعقيب الإنفاق بالنذر ووجه الآيتين بقوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} بعدهما؟
قيل: النذر عقد الإنسان على نفسه فعل البر بشرط أو بغير شرط، ولما كان فعل الخيرات ضربين مفروغا منه ومعزوما عليه بين أن كلا الأمرين لا يخفى عليه وذلك كلام متضمن للوعد والوعيد، وقال بعضهم: ليس النذر هاهنا ما يلتزمه الإنسان بالتطوع فقط، بل كل ما التزمه بالعقل أو بالشرع فنذر، وقيل الإشارة بالنذر إلى التطوع وبالإنفاق إلى الواجب، ثم بين أن من ظلم نفسه بتقصيره فيما يلزمه من ذلك أو ظلم غيرة، فماله أنصار وهو جمع نصير نحو: شريف، وأشراف،.