تدل على بطلان قول من زعم أن جميع المكلفين عارفون بالله " قال: لأن هؤلاء المنافقين لو كانوا بالله عارفين، وكانوا بحضرة النبي - عليه السلام - مقرين، لكان يجب أن يكون إقرارهم بذلك إيماناً منهم، لأن من عرف الله وأقر به لم يكن إقراره غير إيمان، فلما بين تعالى أنهم غير مؤمنين بما أخبروا به، علمنا أنهم لم يكونوا يعرفونه وليس في الآية دلالة على ما قال، أو لأن الله تعالى قال: يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر، ثم نفى عنهم الإيمان بهما، واحد لا يقول: إن معرفة الإنسان بالله وباليوم الآخر ضرورة وإن ادعوا معرفة الله وحدها، وثانياً: أن أحداً لا يقول: " الإقرار بالله على وجه الخداع إيمان، والله تعالى قد أخبر أنهم يخادعون الله بهذا القول، وثالثا: أن الإيمان المنفي عنهم ليس هو الإقرار، بل هو سكون النفس المذكور في قوله عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}.
ورابعاً: أن من يقول: معرفة الله ضرورة، يذكر أن ذلك لا يحصل إلا عن سبب يتقدمه كالعلم بمخبر الأخبار المتواترة لا يحصل إلا بتقديم سماع المخصوص فكذلك معرفة الله ضرورة [لكن لابد فيها من سبب يتقدمها، وخامسها: أن عند كثير ممن يدعي] أن معرفة الله ضرورة أن ذلك موجود في الإنسان بالقوة، كوجود النار في الحجر، فلابد لها من انقداح به يخرج، ومتى لم يحصل السبب لم تكن النار، كذلك المعرفة بالله تعالى.
الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر تبديه على خلاف ما تخفيه، ومنه: قيل: خدع الضب.
إذا استتر في جحره، واستعمال ذلك فيه لما اعتقدوا في الضب، أنه يعد عقربا يلدغ من يدخل يده في حجره حتى قالوا العقرب بواب الضب، ولاعتقاد الخديعة فيه قالوا:" أخدع من ضب " وطريق خادع مخالف لما يقتضيه ظاهره، والمخدع كأنك جعلته خادعاً لمن رام تناول ما فيه لأنه بيت في بيت، وقولهم:" خدع الطريق " إذا قل، فتغير متصور منه هذا المعنى.
والاخدعان: تصور منهما الخداع، لاستنادهما تارة، وظهورهما أخرى، وفي الحديث:
" بين يدي الساعة سنون خداعة " أي مغتالة، لتلونها بالجدب تارة، والخصب أخرى.