{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ}، والصلاح وإن اعتبر بأحوال الدنيا، فمجارى به في الآخرة، فبين تعالى أنه مجتبى في الدنيا لما عرف الله من حكمته فيه، ومحكوم له في الآخرة بصلاحه في الدنيا تنبيهاً أن الثواب في الآخرة يستحقه باصطفائه في الدنيا، وإنما استحق لصلاحه فيها، وجوز أن يكون قوله " في الآخرة " أي في أفعال الآخرة لمن الصالحين، ويجوز إن عنى بقوله " في الدنيا " حال بقائه، و " في الآخرة " حال وفاته، ويكون الإشارة بصلاحه إلى الثناء الحسن عليه الذي رغب إلى الله تعالى فيه بقوله:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}، ويجوز أنه لما كان الناس ثلاثة أضرب: مظالم، ومقتصد، وسابق غبر عن السابق بالصالح، فكل سابق إلى طاعة الله ورحمته صالح، وفي الجملة، فإن الصالح هو الخارج عن حد الرذيلة، وليس في الدنيا على الإطلاق بكل نظر صالح، بل عامة ما فيه يمكن أن يوصف بفاسد بها إما حالة ما أو بنظر ما، فإذن الصلاة المطلق في الآخرة، فلهذا خص بها ..
لما سأل الله تعالى بقوله:{وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}، أجابه بقوله تعالى:" أسلم " أي أخلص سرك فإنه موضع الاطلاع، وإلى ذلك أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:" أخلص يكفك القليل من العمل "، وبقوله:" الأعمال بالنيات " وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وقيل معنى " أسلم " استأسر لهم كقولك للأسير: استسلم، وقيل: معناه: اجعل نفسك مسلمة عن أسر الشيطان، حيث قال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، وهذان القولان واحد في